ثيابك يحتمل أنَّ يريد به: انزع محبتك منها وتسل عنها ولا تلتفت إليها والثياب تطلق على لقلوب، فتطلق على المحبة باعتبار إنّها فيها. ومن الأول قول عنترة:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم
أي شققت قلبه. ويصحان معا وفي قول امرئ القيس:
وإنَّ كنت قد ساءتك مني خليفة ... فسلي ثيابك من ثيابك تنسل
أي سلي قلبي من قلبك، أو محبتي من قلبك. وقيل في قوله تعالى:) وثيابك فطهر (، أي قلبك، ويكنى بالثياب عن الأعمال أيضاً. ورد إنَّ الميت يبعث في أثوابه أي أعماله.
فائدة: ذكر أبو العباس أحمد بن عطاء الله أنَّ الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنهما بات ليلة، وضنها ليلة سبع وعشرين، بالمسجد الجامع وافتتح الصلاة، فجعل الأولياء يتساقطون عليه من كل ناحية، فلما اصبح قال: ما كانت البارحة إلاّ ليلة مباركة! سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا علي طهر ثيابك من الدنس، تحظ بمدد الله تعالى في كل نفس في كل نفس! فقلت يا رسول الله، ما ثيابي؟ قال: كذا، وفسرها له بأخلاق قلبه ومقاماته؛ ونسيت اللفظ لطول العهد به. قال أبو الحسن: فعرفت حينئذ معنى قوله تعالى) وثيابك فطهر (.
وقال الآخر:
فإنَ تكن الأيام أحسن مرة ... إلي فقد عادت لهن ذنوب
وهذا البيت من قصيدة، أضطرب في القائها، رثي بها رجل يقال له أبو المغوار، ورأيت أن أثبتها هنا مع طولها، لحسنها واشتمالها على الأمثال وهي:
تقول سليمى: ما لجسمك شاحبا ... كأنك يحميك الطعام طبيب؟
فقلت، ولم يعي الجواب لقولها ... للدهر في صمم الإسلام نصيب:
تتابع أحداث تخر من اخوتي ... وشيبن رأسي والخطوب تشيب
لعمري لئن كانت أصابت منية ... أخي والمنايا للرجال شعوب
لقد عمجت منا الحوادث ماجداً ... عروفا لريب الدهر حين يريب