فالآن حين بدا التنكر منكم ... ذهب العتاب وليس عنكم مذهب
يحكى أنَّ قينة أجتمع عند أربعة من عشاقها، وكل يخفي أمره عن الآخرين. وكان أحدهم غائبا فقدم، والثاني عزم على السفر، والثالث قد انقضت أيامه، والرابع كما ابتدأ.
فضحكت إلى الأول، وبكت إلى الثاني، وأبعدت الثالث، وأطمعت الرابع. وانشدها كل منهم ما يشاكل حاله، وأجابته بمثل ذلك. فقال لها القادم: جعلت فداك أتستحسنين:
ومن ينأ عن دار الهوى يكثر البكا ... وقول لعل أو عسى ويكون
وما اخترت نأي الدار عنك لسلوة ... ولكن مقادير لهن شجون
فقالت: نعم! وأنا أحذق بقول مطارحه، ثم غنت:
وما زلت مذ شطت بك الدار باكيا ... أو مل منك العطف حين تؤوب؟
فأضعف ما بي حين أبت وزدتني ... عذابا وإعراضا وأنت قريب
وقال الذي عزم على السفر: جعلت فداك! أتحسنين:
أزف الفراق فأعلني جزعا ... ودع العتاب فإنما سفر
إنَّ المحب يصد مقتربا ... فإذا تباعد شفه الذكر
فقالت: نعم! وأحسن من شكله. ثم غنت:
لأقيمن مأتما عن قريب ... ليس بعد الفراق غير النحيب
ربما أوجع النوى للقلوب ... ثم لا سيما فراق الحبيب
وقال الذي انقضت أيامه: جعلت فداك! أتحسنين: كنا نعاتبكم ليالي عودكم البيتين السابقين. فقالت: ولكن أحسن في معناه، ثم غنت:
وصلتك لمّا كان ودك خالصا ... وأعرضت لمّا صرت نهبا مقسما
ولن يلبث الحوض الجديد بناؤه ... على كثرة الوراد أنَّ يتهدما
وقال الذي أقبلت أيامه جعلت فداك! أتحسنين:
إني لأعظم أنَّ أبوح بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهمي
وعليك عهد الله إنَّ أثبته ... أحدا وإنَّ آذنته بتكلم