للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلمت انك لا تزال بحيلة ... ولويت رأسي تحت طي جناح

وجعلت في عشق الغرام إقامتي ... أبدا وفيه تحويلي ورواحي

وقال الآخر:

أبداً نحن إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والراح

وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وإلى كمال جمالكم ترتاح

وارحمة للعاشقين تحملوا ... ألم المحبة والهوى فضاح

بالسير إن باحوا تباح دماؤهم ... وكذا دماء البائحين تباح

وقال الآخر:

راحوا فبانت راحتي ... صفرا وأضحى حبهم لي راحا

فتحوا على القلب الغموم وأغلقوا ... باب السرور وضيعوا المفتاحا

وقال بشار:

خليلي ما بال الدجى لا تزحزح ... وما لعمود الصباح لا يتوضح؟

أضل النهار المستنير طريقه؟ ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح؟

وطال علي الليل حتى كأنه ... بليلين موصول فما يتزحزح

واعلم إنَّ الشعراء في الليل قديما وحديثا مقصدين مختلفين لباعثين متباينين: فتارة يستطيلونه ويستبطئون الإصباح وذلك لأجل الاختناق بتباريح الأشواق عند احتساء كأس الفراق المر المذاق وتارة يستقصرونه ويودون أن لو دام وذلك عند اجتناء ثمرات الوصال والاشتغال بلذات الإقبال. فمن الأول قول مهلهل:

أليلتنا بذي حسم أنبري ... إذا أنت أنقضيت فلا تحوري

ولم يحضرني لمن قبله شيء في هذا الباب. وقول امرئ القيس:

وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لمّا تمطا بجوزه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل

إلاّ أيّها الليل الطويل إلاّ أنجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فيالك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل

كأن الثريا علقت في مصامها ... بأمراس كتان إلى صم جندل

<<  <  ج: ص:  >  >>