للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولك جلدت الأرض بالكسر، تجلد فهمي جلدة والجالدة، اعتباراً للعجوز بمعنى اليوم على قصد الليلة أو الصبيحة أو البكرة؛ وإما بمعنى المدافعة والمقاتلة، من قولك جلدته بالعصا: ضربته، اعتبارا للعجوز بمعنى المرأة؛ والفائدة إما بمعنى الإفادة وهو معمول المنع، أو بمعنى الهالكة، من قولك: فاد يفيد، فيدا، إذا هلك ومات، اعتبارا للعجوز بمعنى المرأة وإنّها هرمة فانية، فكيف تغلب الرجل؟ والتورية في العجوز الباردة واضحة؟ وأعلم أنَّ التورية والتوجيه أعلى فنون البديع وأجلها وأدقها، وهو أحد معاريض البلغاء الذي يرفلون به في الحلل الرقائق، وينجون بفسحتها من المضائق. فمن أظرف ما وقع من ذلك ما روي عن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، إنّه لمّا نزل على الحيرة أتاه عبد المسيح الغساني، وهو أبن ثلاثمائة وخمسين سنة. فلما مثل بين يديه قال له: انعم صباحا أيها الأمير! فقال له خالد: قد أغنى الله عن تحيتكم بسلام عليكم. ثم قال له خالد: من أين أقصى أثرك أيّها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي. قال: من أين خرجت؟ قال من بطن أمي. قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض. قال: فيم أنت؟ قال: في ثيابي. قال: أتعقل؟ قال: أي والله، وأقيد. قال: أبن كم أنت؟ قال: أبن رجل وامرأة. قال: كم سنك؟ قال: اثنان وثلاثون بيض ضرس وغضيض. قال: كم لك من السنين؟ قال: السنون كلها لله. قال: كم أتى عليك؟ قال: لو أتى علي شيء لقتلني. قال: كم عمرك؟ قال: لا يعلمه إلا الله. فقال خالد: ما رأيت كاليوم إنسانا أسأله عن شيء وهو ينحوا في غيره. فقال: ما أجبتك إلا عن مسألتك. وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له الأعرابي: من أنتم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء، والقصة مشهورة.

وما روي من أنَّ رجلا وقف بباب المأمون ليشكو فلم يجد من يدخله فصاح: أنا أحمد المصطفى النبي المبعوث! فأخذ وأدخل على المأمون وقيل له إنّه تنبأ عن أمره فذكر شكواه فقال له: ما هذا الذي حكي عنك؟ قال: ما هو؟ قال: انهم قالوا إنك تنبأت. قال: معاذ الله! إنّما قلت: أنا أحمد المصطفى النبي المبعوث، وأنت يا أمير المؤمنين تحمده، وكذلك هؤلاء. فاستظرفه المأمون وأمر بأنصافه.

وما روي عن بشار بن برد من أنه خاط له رجل أعور يعرف بعمرو بردا فلم يعجبه فقال له:

<<  <  ج: ص:  >  >>