للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هذه الخياطة؟ قال له: خطته لك كذلك لتلبسه إنَّ شئت على وجهه، وإنَّ شئت من باطنه. فقال له بشار: وأنا قد قلت فيك شعرا، إنَّ شئت جعلته مدحا وإنَّ شئت جعلته هجوا، ثم انشد:

خاط لي عمرو قباء ... ليت عينيه سواء

فأحاجي الناس طرا ... أمديح أم هجاء!

ويروى:

خاط لي عمرو قباء ... ليت عينيه سواء

فسل الناس جميعا ... أمديح أم هجاء!

وهو على نصب الجزأين بليت.

وما روي إنّه نشأ ببغداد غلامان أحدهما أبن حجام والآخر أبن مراق، فبرعا في الأدب. فخرجا ليلة وهما ثملان من نبيذ. فأخذهما العسس فأتوا بهما إلى صاحبهما. فلما مثلا بين يديه قال لهما: ما أخرجكما جوف الليل؟ فقالا: القدر والقضاء. فقال من أنتما؟ فقال أبن المراق:

أنا أبن الذي لا تنزل الدهر قدره ... وإنَّ نزلت يوما فسوف تعود

ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود

وقال أبن الحجام:

أنا أبن من ذلت الرقاب له ... ما بين مخزومها وهاشمها

تأتيه طوعا إليه خاضعة ... يأخذ من مالها ومن دمها

فقال في نفسه: الأول من أبناء الكرام، والثاني من أبناء الملوك. فقال لأعوانه: خلوا عنهما، فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّه قال: اقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم. فلما انصرفا أخبر بأمرهما، فاسترجعهما بالغد وقال لهما: ويحكما! خدعتماني. فقالا: ما خدعناك إلاّ بما هو صفة والدينا. فلما تأمل كلامهما وجده صدقا وقال: انطلقا! من لم ين منكما شريف فلقد كان ظريفا. وما روي عن أبي الفرج الجوزي، رضي الله عنه، إنّه كان في مجلسه في السنية والشيعة، فسأله سائل، أي الناس كان احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر أم علي؟ فتغافل، فقيل ما عندك! فقال: أحبهما إليه من كانت ابنته تحته.

<<  <  ج: ص:  >  >>