فتى يجعل المحض الصريح لبطنه ... شعارا ويقري الضيف عضبا مهندا
وقال الآخر:
وأنا لنجفو الضيف من غير علة ... مخافة أن يغري بنا فيعود
غري: كلف.
وقال الأسود بن يعفر:
ولقد علمت لو إنَّ علمي نافع ... إنَّ السبيل سبيل ذي الأعواد
ماذا أؤمل بعد آل محرق؟ ... تركوا منازلهم وبعد إياد
أرض الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذو الشرفات من سنداد
جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنهم كانوا على ميعاد
ولقد غنوا فيها بأكرم غنية ... في ظل ملك ثابت الأوتاد
فإذا النعيم وكل ما يلهى به ... يوما يصير إلى بلى ونفاذ
وتقدم بعض هذا الشعر. وذو الأعواد رجل أسمه غوي بن سلامة أو سلامة بن غوي وقيل غير ذلك. وكان له خراج على مضر. فلما شاخ وضعف كان يحمل على سرير ويطاف به على مياه العرب فيجيبها. وقيل هو جد لأكثم بن صيفي الحكيم المعروف. وكان أعز أهل زمانه فكان لا يأتي سريره خائف إلاّ أمن وجائع إلاّ شبع. ومثل هذا الشعر ما روي إنّه وجد في حفير رجل عليه خفان وعند رأسه لوح فيه مكتوب: أنا عبد المسيح بن حيان بن نفيلة:
حلبت الدهر أشطره حياتي ... ونلت من المنى فوق المزيد
وكافحت الأمور وكافحتني ... ولم أخضع لمعضلة كؤود
وكدت أنال بالشرف الثريا ... ولكن لا سبيل إلى الخلود
ودخل أرطأة بن سهيل على عبد الملك: كيف حالك؟ وكان قد أسن فقال: ضعف حالي وقل مالي وكثر مني ما كنت أحب أن يقل وقل مني ما كنت أحب أن يكثر قال: فكيف أنت في شعرك؟ قال: والله ما أغضب ولا أطرب ولا أرهب. وما الشعر إلاّ من نتائج هذه على إنني القائل:
رأيت المرء تأكله الليالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبقى المية حين تأتي ... على نفس أبن آدم من مزيد
وأعلم أنها عمال قليل ... ستوفي نذراها بأبي الوليد