للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأطربني غناؤه وشجاني، فأجرته وخلعت عليه، وأمرته بمعادلتي. فلما أجزت منزل مولاه بمقدار ميل أنشأ يقول:

وما كنت أخشى معبدا أنَّ يبيعني ... بشيء ولو أضحت أنامله صفراً

أخوهم ومولاهم وحامل سيرهم ... ومن قد ثوى فيهم وعاشرهم دهرا

أشوق ولمّا يمض لي غير ساعةٍ ... فكيف إذا سار المطي بنا شهرا؟

فقلت له: يا غلام، أتعرف منزل مولاك من هنا؟ فقال: وهل تخفى معالم الحب؟ فقالت: أذهب فأنت حر لوجه الله! ووهبت له ألف دينار. فقال لي زميلي: أمثل هذا يعتق؟ فقلت له ويحك! وهل مثله يملك؟ فأنطلق وهو يقول:

لا يوجد الخير إلاّ في معادنه

وقال محمد بن عبد الملك الزيات:

وأي امرئ سمى بها قط نفسه ... ففارقها حتى يغيب في اللحد؟

وكان سبب ذلك أنَّ إبراهيم بن المهدي اقترض من التجار أموالا كثيرة ببغداد. فيها لعبد الملك الزيات عشرة آلاف دينار. فلما لم يتم لها أمر الخلافة لوى التجار أموالهم. فصنع محمد أبن عبد الملك قصيدة يخاطب المأمون، وهذا صغير، منها:

تذكر أمير المؤمنين قيامة ... بإيمائه في الهزل منه وفي الجد

ووالله ما من توبةٍ نزعت به ... إليك ولا ميل إليك ولا ود

ومن صك تسليم الخلافة سمعه ... ينادي به بين السماطين عن بعد؟

وأي امرئ سمى بها قط نفسه

وعرضها على إبراهيم وقال له: إما أنصفت أبي، وإما أنشدتها المأمون! فأذى إلى أبيه ماله دون سائر التجار، واستحلفه على كتمانها، فحلف له، وهذا من فوائد الشعر. وقال أبن الرومي يمدح النرجس:

للنرجس الفضل المبين وإنَّ أبى ... آبٍ وحاد عن طريقة حائد

وللنرجس احتاز الملاحة كلها ... وله فضائل جمة وفوائد

ومنها:

شتان بين اصنين: هذا موعد ... بتسلب الدنيا وهذا واعد!

<<  <  ج: ص:  >  >>