وَحِينَئِذٍ اسْتِعْمَالُهَا فِي بَعْضِ الْجِنْسِ مَجَازٌ كَاسْتِعْمَالِهَا فِي بَعْضِ الْمَعْهُودِ مُجَازٌ لِقَرِينَةٍ، وَجَوَابُ الْآخَرِ حَصَلَ بِمَا سَبَقَ.
الْآخَرُ: يَحْسُنُ مَا عِنْدِي رَجُلٌ بَلْ رَجُلَانِ، بِخِلَافِ: مَا عِنْدِي مِنْ رَجُلٍ.
قُلْنَا: النَّفْيُ إِذَا وَقَعَ عَلَى النَّكِرَةِ، اقْتَضَى نَفْيَ مَاهِيَّتِهَا وَهِيَ لَا تَنْتَفِي إِلَّا بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ أَفْرَادِهَا، وَهَذَا قَاطِعٌ ; فَوَجَبَ تَأْوِيلُ مَا ذَكَرْتُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بَلْ رَجُلَانِ قَرِينَةُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الْمَاهِيَّةِ، بَلْ إِثْبَاتَ مَا أَثْبَتَ مِنْهَا.
ــ
قَوْلُهُ: «لَنَا» ، أَيْ: عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَذْكُورَةَ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى التَّمَسُّكِ بِعُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مُخَصِّصٌ ; فَيَخُصُّونَ بِهِ الْعُمُومَ، وَكَانُوا فِي اجْتِهَادِهِمْ وَاسْتِدْلَالِهِمْ إِنَّمَا يَطْلُبُونَ دَلِيلَ الْخُصُوصِ لِيَخُصُّوا بِهِ الْعُمُومَ، لَا دَلِيلَ الْعُمُومِ مَعَ وُجُودِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ ; فَكَانُوا يَجْعَلُونَ أَلْفَاظَ الْعُمُومِ الْمَذْكُورَةَ أُسًّا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُمْ مُخَصِّصٌ، أَعْمَلُوهُ بِحَسَبِهِ، وَهُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْهَا الْعُمُومَ لُغَةً بِالْوَضْعِ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْقَرَائِنِ الْمُنْضَمَّةِ إِلَيْهِ لِتُفِيدَهُ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا عَلَى إِرْثِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِعُمُومِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاءِ: ١١] ، حَتَّى رَوَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثَ: نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، فَخَصُّوا بِهِ الْعُمُومَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute