للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَمَذْهَبُهُ آخِرُهُمَا إِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، كَتَنَاسُخِ أَحْكَامِ الشَّارِعِ، وَإِلَّا فَأَشْبَهُهُمَا بِأُصُولِهِ وَقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ وَأَقْرَبُهُمَا إِلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ.

وَقِيلَ: كِلَاهُمَا مَذْهَبٌ لَهُ، إِذْ لَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ أُرِيدَ ظَاهِرُهُ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ مَا عُمِلَ بِالْأَوَّلِ لَا يُنْقَضُ، فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِمَا لَوْ صَرَّحَ بِرُجُوعِهِ عَنْهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مَذْهَبًا لَهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِاعْتِقَادِ بُطْلَانِهِ، وَلَوْ خَالَعَ مُجْتَهِدٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْتَقِدُ الْخُلْعَ فَسْخًا، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَاعْتَقَدَهُ طَلَاقًا لَزِمَهُ فِرَاقُهَا، وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ حَاكِمٌ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَمْ يُنْقَضْ، لِلُزُومِ التَّسَلْسُلِ بِنَقْضِ النَّقْضِ ; وَاضْطِرَابِ الْأَحْكَامِ ; وَلَوْ نَكَحَ مُقَلِّدٌ بِفَتْوَى مُجْتَهِدٍ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَالظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ فِرَاقُهَا، إِذْ عَمَلُهُ بِالْفُتْيَا جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَإِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ» كَقَوْلِهِ: يُجْزِئُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُجْزِئُ ; «فَمَذْهَبُهُ آخِرُهُمَا» ، أَيْ: آخِرُ الْحُكْمَيْنِ «إِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ» ، أَيْ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ تَارِيخُ الْقَوْلَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ عُلِمَ ; فَمَذْهَبُهُ آخِرُهُمَا، «كَتَنَاسُخِ أَحْكَامِ الشَّارِعِ» ، أَيْ: كَمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، كَذَلِكَ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَئِمَّةِ، لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ نُصُوصَ الْأَئِمَّةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مُقَلِّدِيهِمْ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ بِالْإِضَافَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>