للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: الِاسْتِحْسَانُ. وَهُوَ: اعْتِقَادُ الشَّيْءِ حَسَنًا، ثُمَّ قَدْ قِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ: إِنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ، وَهُوَ هَوَسٌ، إِذْ مَا هَذَا شَأْنُهُ لَا يُمْكِنُ النَّظَرُ فِيهِ لِتُسْتَبَانَ صِحَّتُهُ مِنْ سَقَمِهِ.

وَقِيلَ: مَا اسْتَحْسَنَهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ، فَإِنْ أُرِيدَ مَعَ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَوِفَاقٌ، وَإِلَّا مُنِعَ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْعَامِّيِّ إِلَّا النَّظَرُ فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، فَحَيْثُ لَا نَظَرَ فَلَا فَرْقَ، وَيَكُونُ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ الْهَوَى وَاتِّبَاعًا لِلشَّهْوَةِ فِيهِ، وأَيْضًا مَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ عَقْلِيًّا ضَرُورِيًّا وَلَا نَظَرِيًّا، وَإِلَّا لَكَانَ مُشْتَرَكًا، وَلَا سَمْعِيًّا، إِذْ تَوَاتُرُهُ مَفْقُودٌ وَآحَادُهُ كَذَلِكَ، أَوْ لَا يُفِيدُ.

قَالُوا: فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلُ إِلَيْكُمْ، مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا وَاسْتَحْسَنَتِ الْأُمَّةُ دُخُولَ الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أُجْرَةٍ وَنَحْوِهِ.

قُلْنَا: أَحْسَنُ الْقَوْلِ وَالْمُنَزَّلُ مَا قَامَ دَلِيلُ رُجْحَانِهِ شَرْعًا، وَالْخَبَرُ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ لَا الِاسْتِحْسَانِ، وَإِنْ سُلِّمَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذُكِرَ، وَسُومِحَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمَّامِ وَنَحْوِهَا لِعُمُومِ مَشَقَّةِ التَّقْدِيرِ فَيُعْطَى الْحَمَّامِيُّ عِوَضًا إِنْ رَضِيَهُ وَإِلَّا زِيدَ، وَهُوَ مُنْقَاسٌ، وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ: أَنَّهُ الْعُدُولُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ خَاصٍّ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ.

وَقَدْ قَرَّرَ مُحَقِّقُو الْحَنَفِيَّةِ الِاسْتِحْسَانَ عَلَى وَجْهٍ بَدِيعٍ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَاللَّطَافَةِ، ذَكَرْنَا الْمَقْصُودَ مِنْهُ غَيْرَ هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

قَوْلُهُ: «الثَّالِثُ» ، يَعْنِي مِنَ الْأُصُولِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا «الِاسْتِحْسَانُ» ، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحُسْنِ، «وَهُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ حَسَنًا» ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: «اعْتِقَادُ الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>