للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا ; فَجَائِزٌ عَقْلًا، لِجَوَازِ قَوْلِ الشَّارِعِ: تَعَبَّدْتُكُمْ بِالنَّسْخِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَا شَرْعًا، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَأَجَازَهُ قَوْمٌ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، لَا بَعْدَهُ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ بِالنَّاسِخِ إِلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ. وَأَجَازَهُ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ مُطْلَقًا، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى، إِذِ الظَّنُّ قَدَرٌ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِدْلَالِ الشَّرْعِيِّ. وَقَوْلُ عُمَرَ: لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا، لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ. يُفِيدُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ لِشُبْهَةٍ، وَلَوْ أَفَادَ خَبَرُهَا الظَّنَّ لَعَمِلَ بِهِ.

ــ

قَوْلُهُ: «أَمَّا نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا ; فَجَائِزٌ عَقْلًا» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: أَمَّا نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَنَسْخُ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ; فَهُوَ جَائِزٌ عَقْلًا لَا شَرْعًا.

أَمَّا أَنَّهُ جَائِزٌ عَقْلًا ; فَلِجَوَازِ قَوْلِ الشَّارِعِ: تَعَبَّدْتُكُمْ بِنَسْخِ الْقَاطِعِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، أَيْ: لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ.

وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ شَرْعًا، أَيْ: مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الشَّرْعِ ; قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ، وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ، لَا يُرْفَعُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ; فَلَا ذَاهِبَ إِلَى تَجْوِيزِهِ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا، لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصْدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» .

«وَأَجَازَهُ قَوْمٌ» يَعْنِي: نَسْخَ الْكِتَابِ وَتَوَاتُرَ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا، «فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، لَا بَعْدُهُ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ بِالنَّاسِخِ إِلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ» ; فَيُقْبَلُ خَبَرُهُمْ فِيهِ.

«وَأَجَازَهُ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ مُطْلَقًا» ، يَعْنِي فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهُ.

قُلْتُ: «وَلَعَلَّهُ أَوْلَى» ، أَيْ: يُشْبِهُ أَنَّهُ أَوْلَى، لِاتِّجَاهِهِ بِمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ أَجْزِمْ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا أَتَيْتُ بِلَفْظِ التَّرَجِّي.

<<  <  ج: ص:  >  >>