للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَى خِلَافِهِ» . هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا.

وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْمَنْسُوخَ إِنَّمَا يَكُونُ نَصًّا، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا، وَإِذَا انْحَصَرَ الْمَنْسُوخُ فِي كَوْنِهِ نَصًّا ; فَلَوْ نُسِخَ بِالْإِجْمَاعِ، لَلَزِمَ مُضَادَةُ النَّصِّ لِلْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، لَا بُدَّ أَنْ يَتَضَادَّا، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُضَادُّ النَّصَّ، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِلَافِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ، لِانْعِقَادِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ.

وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ نَاسِخًا، أَثْبَتَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَعِيسَى بْنُ أَبَانٍ، وَنَفَاهُ الْبَاقُونَ، وَاخْتَارَهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَوْ كَانَ نَاسِخًا، لَكَانَ دَلِيلُ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ ; إِمَّا نَصًّا، أَوْ إِجْمَاعًا، أَوْ قِيَاسًا، فَإِنْ كَانَ نَصًّا ; فَالْإِجْمَاعُ النَّاسِخُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ، وَإِلَّا كَانَ خَطَأً، وَذَلِكَ الْمُسْتَنَدُ هُوَ النَّاسِخُ، لَا نَفْسُ الْإِجْمَاعِ، لَكِنْ دَلَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ ; فَالْإِجْمَاعُ دَلِيلُ النَّاسِخِ، لَا نَفْسُ النَّاسِخِ. وَإِنْ كَانَ دَلِيلُ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ إِجْمَاعًا ; فَلَوْ نُسِخَ بِالْإِجْمَاعِ، لَزِمَ تَعَارُضُ الْإِجْمَاعَيْنِ ; فَأَحَدُهُمَا بَاطِلٌ ; فَلَا نَسْخَ.

وَإِنْ كَانَ دَلِيلُ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ قِيَاسًا ; فَهُوَ إِمَّا غَيْرُ صَحِيحٍ ; فَلَا عِبْرَةَ بِهِ ; فَلَا نَسْخَ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا ; فَالْإِجْمَاعُ النَّاسِخُ، إِنِ اسْتَنَدَ إِلَى نَصٍّ ; فَالنَّصُّ هُوَ النَّاسِخُ، وَالْإِجْمَاعُ دَلَّ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا، فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْقِيَاسِ الْأَوَّلِ، أَعْنِي الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ، أَوْ رَاجِحًا عَلَيْهِ ; فَالْقِيَاسُ الْأَوَّلُ لَيْسَ قِيَاسًا صَحِيحًا، لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافِهِ، وَلِرُجْحَانِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا ; فَالْإِجْمَاعُ عَلَى حُكْمِهِ خَطَأٌ ; فَلَا نَسْخَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

قَوْلُهُ: «وَالْحُكْمُ الْقِيَاسِيُّ الْمَنْصُوصُ الْعِلَّةِ يَكُونُ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، كَالنَّصِّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ» . مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحُكْمَ الْقِيَاسِيَّ، أَيِ: الثَّابِتَ بِالْقِيَاسِ ; إِمَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>