للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّهْيُ

النَّهْيُ: اقْتِضَاءُ كَفٍّ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَقَدِ اتَّضَحَ فِي الْأَوَامِرِ أَكْثَرُ أَحْكَامِهِ، إِذْ لِكُلِّ حُكْمٍ مِنْهُ وَازِنٌ مِنَ الْأَمْرِ عَلَى الْعَكْسِ، وَهُوَ عَنِ السَّبَبِ الْمُفِيدِ حُكْمًا يَقْتَضِي فَسَادَهُ مُطْلَقًا إِلَّا لِدَلِيلٍ، وَقِيلَ: النَّهْيُ عَنْهُ لِعَيْنِهِ، لَا لِغَيْرِهِ، لِجَوَازِ الْجِهَتَيْنِ، وَقِيلَ: فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا، لِجَوَازِ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنْ فَعَلْتَ، تَرَتَّبَ الْحُكْمُ، نَحْوَ: لَا تَطَأْ جَارِيَةَ وَلَدِكَ، فَإِنْ فَعَلْتَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَكَ، وَلَا تُطَلِّقْ فِي الْحَيْضِ فَإِنْ فَعَلْتَ وَقَعَ، وَلَا تَغْسِلِ الثَّوْبَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَيَطْهُرُ إِنْ فَعَلْتَ، وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِبَادَةَ قُرْبَةٌ، وَارْتِكَابُ النَّهْيِ مَعْصِيَةٌ ; فَيَتَنَاقَضَانِ بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ.

الثَّانِي: أَنَّ فَسَادَ الْمُعَامَلَاتِ بِالنَّهْيِ يَضُرُّ بِالنَّاسِ لِقَطْعِ مَعَايِشِهِمْ أَوْ تَقْلِيلِهَا ; فَصَحَّتْ رِعَايَةً لِمَصْلَحَتِهِمْ، وَعَلَيْهِمْ إِثْمُ ارْتِكَابِ النَّهْيِ، بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ ; فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ; فَتَعْطِيلُهَا لَا يَضُرُّ بِهِ، بَلْ مَنْ أَوْقَعَهَا بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، أَطَاعَ، وَمَنْ لَا، عَصَى، وَأَمْرُ الْجَمِيعِ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي آخَرِينَ: أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ الصِّحَّةَ الْعَقْلِيَّةَ، أَيْ: الْإِمْكَانَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْوُجُودِ ; فَنَعَمْ، وَإِنْ أَرَادَ الشَّرْعِيَّةَ ; فَتَنَاقُضٌ: إِذْ مَعْنَاهُ النَّهْيُ الشَّرْعِيُّ، يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا وَهُوَ مُحَالٌ.

وَقِيلَ: لَا يَقْتَضِي فَسَادًا، وَلَا صِحَّةً، إِذِ النَّهْيُ خِطَابٌ تَكْلِيفِيٌّ، وَالصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ إِخْبَارِيٌّ وَضْعِيٌّ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا رَابِطٌ عَقْلِيٌّ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْإِثْمِ بِهِ.

وَلَنَا: عَلَى فَسَادِهِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>