الثَّالِثُ: فَسَادُ الْوَضْعِ، وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْعِلَّةِ نَقِيضَ مَا عُلِّقَ بِهَا، نَحْوُ: لَفْظُ الْهِبَةِ يَنْعَقِدُ بِهِ غَيْرُ النِّكَاحِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ كَالْإِجَارَةِ، فَيُقَالُ: انْعِقَادُ غَيْرِ النِّكَاحِ بِهِ يَقْتَضِي انْعِقَادُهُ بِهِ لِتَأْثِيرِهِ فِي غَيْرِهِ.
وَجَوَابُهُ بِمَنْعِ الِاقْتِضَاءِ الْمَذْكُورِ، أَوْ بِأَنَّ اقْتِضَاءَهَا لَمَّا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ أَرْجَحُ. فَإِنَّ ذِكْرَ الْخَصْمِ شَاهِدًا لِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرَهُ، فَهُوَ مُعَارَضَةٌ.
ــ
السُّؤَالُ: «الثَّالِثُ: فَسَادُ الْوَضْعِ، وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْعِلَّةِ نَقِيضَ مَا عُلِّقَ بِهَا» وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا فَسَادَ الْوَضْعِ، لِأَنَّ وَضْعَ الشَّيْءِ: جَعْلُهُ فِي مَحَلٍّ عَلَى هَيْئَةٍ أَوْ كَيْفِيَّةٍ مَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ أَوْ تِلْكَ الْهَيْئَةُ لَا تُنَاسِبُهُ كَانَ وَضْعُهُ عَلَى خِلَافِ الْحِكْمَةِ، وَمَا كَانَ عَلَى خِلَافِ الْحِكْمَةِ يَكُونُ فَاسِدًا، فَنَقُولُ هَاهُنَا: إِنَّ الْعِلَّةَ إِذَا اقْتَضَتْ نَقِيضَ الْحُكْمِ الْمُدَّعَى أَوْ خِلَافَهُ، كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْحِكْمَةِ، إِذْ مِنْ شَأْنِ الْعِلَّةِ أَنَّ تُنَاسِبَ مَعْلُولَهَا، لَا أَنَّهَا تُخَالِفُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ فَاسِدَ الْوَضْعِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْآمِدِيُّ، وَالْبَزْدَوِيُّ فِي «جَدْلَيْهِمَا» لِفَسَادِ الْوَضْعِ أَنْوَاعًا:
مِنْهَا: وُقُوعُ الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ فِي إِبَاحَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ: لِأَنَّهُ ذَبْحٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، فَأُبِيحَ، كَمَا لَوْ تَرَكَهَا نَاسِيًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا فَاسِدُ الْوَضْعِ، لِوُقُوعِهِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَالظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ أَعْظَمُ.
الثَّانِي: وُقُوعُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ، كَاسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَنَفِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute