للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: السَّبَبُ، وَهُوَ لُغَةً مَا تُوُصِّلَ بِهِ إِلَى الْغَرَضِ، وَاشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَبْلِ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَاسْتُعِيرَ شَرْعًا لَمَعَانٍ: أَحُدُهَا: مَا يُقَابِلُ الْمُبَاشَرَةَ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ مَعَ التَّرْدِيَةِ، فَالْأَوَّلُ سَبَبٌ، وَالثَّانِي: عِلَّةٌ. الثَّانِي: عِلَّةُ الْعِلَّةِ، كَالرَّمْيِ، هُوَ سَبَبٌ لِلْقَتْلِ، وَهُوَ عِلَّةُ الْإِصَابَةِ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الزُّهُوقِ. الثَّالِثُ: الْعِلَّةُ بِدُونِ شَرْطِهَا، كَالنِّصَابِ بِدُونِ الْحَوْلِ. الرَّابِعُ: الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ كَامِلَةً، وَسُمِّيَتْ سَبَبًا، لِأَنَّ عِلِّيَّتَهَا لَيْسَتْ لِذَاتِهَا، بَلْ بِنَصْبِ الشَّارِعِ لَهَا، فَأَشْبَهَتِ السَّبَبَ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لَا بِهِ.

ــ

قَوْلُهُ: «الثَّانِي» : أَيْ: مِنْ أَصْنَافِ الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ، وَالَّذِي سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ هِيَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ الَّتِي اسْتُعْمِلَتْ فِيهَا الْعِلَّةُ، فَالثَّانِي مِنْ أَصْنَافِ الْعَلَمِ الْمُعَرِّفِ لِحُكْمِ الشَّرْعِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ هُوَ «السَّبَبُ» .

«وَهُوَ لُغَةً» ، أَيْ: فِي اللُّغَةِ: «مَا تُوُصِّلَ بِهِ إِلَى الْغَرَضِ» الْمَقْصُودِ.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو حَامِدٍ: السَّبَبُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَحْصُلُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لَا بِهِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْتُهُ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّبَبُ: الْحَبْلُ، وَالسَّبَبُ أَيْضًا: كُلُّ شَيْءٍ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ. نَعَمْ حُكْمُ السَّبَبِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجَدُ عِنْدَهُ لَا بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي الْوُجُودِ، بَلْ وَصْلَةٍ وَوَسِيلَةٍ إِلَيْهِ، فَالْحَبْلُ مَثَلًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ، وَلَيْسَ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي الْإِخْرَاجِ، إِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ حَرَكَةُ الْمُسْتَقِي لِلْمَاءِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الْحَجِّ: ١٥] فَهُوَ الْحَبْلُ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ، فَلْيَمْدُدْ حَبْلًا إِلَى سَمَاءِ بَيْتِهِ، وَلْيَجْعَلْهُ فِي حَلْقِهِ، ثُمَّ يَصْلُبْ نَفْسَهُ حَتَّى يَخْتَنِقَ، وَقِيلَ: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَخْنُقْ نَفْسَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>