للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوْعُ الثَّانِي السَّبْرُ: وَهُوَ إِبْطَالُ كُلِّ عِلَّةٍ عُلِّلَ بِهَا الْحُكْمُ الْمُعَلَّلُ إِجْمَاعًا، إِلَّا وَاحِدَةً فَتُعَيَّنُ; نَحْوَ: عِلَّةُ الرِّبَا الْكَيْلُ أَوِ الطُّعْمُ أَوِ الْقُوتُ، وَالْكُلُّ بَاطِلٌ إِلَّا الْأُولَى، فَإِنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَعْلِيلِهِ، جَازَ ثُبُوتُهُ تَعَبُّدًا، فَلَا يُفِيدُ. وَكَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ سَبْرُهُ حَاصِرًا بِمُوَافَقَةِ خَصْمِهِ، أَوْ عَجْزِهِ عَنْ إِظْهَارِ وَصْفٍ زَائِدٍ فَيَجِبُ إِذًا عَلَى خَصْمِهِ تَسْلِيمُ الْحَصْرِ، أَوْ إِبْرَازُ مَا عِنْدَهُ لِيَنْظُرَ فِيهِ، فَيُفْسِدُهُ بِبَيَانِ بَقَاءِ الْحُكْمِ مَعَ حَذْفِهِ، أَوْ بِبَيَانِ طَرْدِيَّتِهِ، أَيْ: عَدَمُ الْتِفَاتِ الشَّرْعِ إِلَيْهِ فِي مَعْهُودِ تَصَرُّفِهِ، وَلَا يَفْسُدُ الْوَصْفُ بِالنَّقْضِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ جُزْءَ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطِهَا، فَلَا يَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ صِحَّةُ عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ بِدُونِهِ، وَلَا بِقَوْلِهِ: لَمْ أَعْثُرْ بَعْدَ الْبَحْثِ عَلَى مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ، فَيُلْغَى، إِذْ يُعَارِضُهُ الْخَصْمُ بِمِثْلِهِ فِي وَصْفِهِ، وَإِذَا اتَّفَقَ خَصْمَانِ عَلَى فَسَادِ عِلَّةِ مَنْ عَدَاهُمَا، فَإِفْسَادُ أَحَدِهِمَا عِلَّةَ الْآخَرِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، إِذِ اتِّفَاقُهُمَا لَا يَقْتَضِي فَسَادَ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ فَسَادَ عِلَّةِ غَيْرِهِ مِنْ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ، فَيَسْتَوِيَانِ، فَطَرِيقُ التَّصْحِيحِ مَا سَبَقَ.

ــ

«النَّوْعُ الثَّانِي» : مِنْ أَنْوَاعِ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالِاسْتِنْبَاطِ إِثْبَاتُهَا بِالسَّبْرِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بَيَانُهُ لُغَةً، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى الِاخْتِبَارِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ مَا يُخْتَبَرُ بِهِ طُولُ الْجُرْحِ وَعَرْضُهُ: مِسْبَارًا.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ» يَعْنِي السَّبْرَ فِي الِاصْطِلَاحِ: «إِبْطَالُ كُلِّ عِلَّةٍ عُلِّلَ بِهَا الْحُكْمُ الْمُعَلَّلُ إِجْمَاعًا» أَيْ: بِالْإِجْمَاعِ، «إِلَّا وَاحِدَةً فَتَتَعَيَّنُ» . وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>