للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَالْخِلَافُ هُنَا يَقْرُبُ تَخْرِيجُهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ اعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ بِضَابِطِهَا: أَنَّ الْمَشَقَّةَ الْمُبِيحَةَ لِلتَّرَخُّصِ لَمَّا كَانَتْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِي الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ، وَاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فِي الْفَقْرِ وَالْجِدَةِ، ضُبِطَتْ بِالسَّفَرِ الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّهُ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ، فَاسْتَوَى فِي مَنَاطِ التَّرَخُّصِ الْمَلِكُ وَالْمَمْلُوكُ، وَالْغَنِيُّ وَالصُّعْلُوكُ.

وَمِنْهَا: أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ لَمَّا كَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ وَالطِّبَاعِ، فَبَعْضُ النَّاسِ يَزُولُ عَقْلُهُ بِتَنَاوُلِ الْجُرْعَةِ وَالْجُرْعَتَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَزُولُ بِالزِّقِّ وَالزِّقَّيْنِ؛ جُعِلَ ضَابِطُ التَّحْرِيمِ مُطْلَقَ الْخَمْرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَاسْتَوَى فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ شَارِبُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِنْزَالَ فِي الْوَطْءِ لَمَّا كَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءِ سُرْعَةً وَبُطْأً؛ حَتَّى إِنَّ مَنِ اشْتَدَّتْ غُلْمَتُهُ رُبَّمَا أَنْزَلَ قَبْلَ أَنْ يُولِجَ، وَمَنْ ضَعُفَتْ هِمَّتُهُ لِمَرَضٍ، أَوْ تَقَدُّمِ وَطْءٍ، أَوْ ضَعْفِ جِبِلَّةٍ، رُبَّمَا أَوْلَجَ وَلَمْ يُنْزِلْ؛ جَعَلَ الشَّرْعُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ ضَابِطًا لِأَحْكَامِ الْإِنْزَالِ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ، وَحَدٍّ، وَبُطْلَانِ عِبَادَةٍ، وَتَحْلِيلِ زَوْجَةٍ، وَخُرُوجٍ مِنْ فِئَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّ هَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ مَظَانُّ هَذِهِ الْحِكَمِ، فَتُرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: «وَفِي انْدِفَاعِ النَّقْضِ بِالِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِذِكْرِ وَصْفٍ فِي الْعِلَّةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا يُعْدَمُ فِي الْأَصْلِ لِعَدَمِهِ - نَحْوَ قَوْلِهِمْ فِي الِاسْتِجْمَارِ: حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْجَارِ، يَسْتَوِي فِيهِ الثَّيِّبُ وَالْأَبْكَارُ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ كَرَمْيِ الْجِمَارِ، خِلَافُ الظَّاهِرِ: لَا، لِأَنَّ الطَّرْدِيَّ لَا يُؤَثِّرُ مُفْرَدًا، فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ، كَالْفَاسِقِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>