قَالُوا: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} فَالْحَاجَةُ إِلَى الْقِيَاسِ رَدٌّ لَهُ، {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ، {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وَلَمْ يَقُلِ: الرَّأْيُ.
قُلْنَا: الْمُرَادُ تَمْهِيدُ طُرُقِ الِاعْتِبَارِ، وَالْقِيَاسُ مِنْهَا؛ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَحْكَامِ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَقَوْلُكُمْ: مَا لَيْسَ فِيهِ يَبْقَى عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ يُنَاقِضُ اسْتِدْلَالَكُمْ بِالْعُمُومِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا أَصْلًا. وَالْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ رَدٌّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، إِذْ عَنْهُمَا تَلَقَّيْنَا دَلِيلَهُ.
قَالُوا: بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مَعْلُومَةٌ فَكَيْفَ تُرْفَعُ بِالدَّلِيلِ الْمَظْنُونِ؟ قُلْنَا: لَازِمٌ فِي الْعُمُومِ، وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالشَّهَادَةِ.
قَالُوا: شَأْنُ شَرْعِنَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَعَكْسُهُ، نَحْوُ غَسْلِ بَوْلِ الْجَارِيَةِ دُونَ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَالْغُسْلِ مِنَ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ، دُونَ الْمَذْيِ وَالْبَوْلِ، وَإِيجَابِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَى دُونَ الْقَتْلِ، وَنَحْوِهِ كَثِيرٌ ; وَمُعْتَمَدُ الْقِيَاسِ الِانْتِظَامُ.
قُلْنَا: لَا نَقِيسُ إِلَّا حَيْثُ يُفْهَمُ الْمَعْنَى، وَالْخِلَافُ فِي فَهْمِ الْمَعْنَى مَسْأَلَةٌ أُخْرَى.
ــ
قَوْلُهُ: «قَالُوا: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} » هَذِهِ حُجَجُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ نَذْكُرُهَا، وَأَجْوِبَتَهَا:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: إِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ مُرَاغَمَةٌ لِلْقُرْآنِ وَرَدٌّ لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَقُولُ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: ٣٨] ، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النَّحْلِ: ٨٩] ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute