للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ ; فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقَاضِي مَنْعُهُ، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

لَنَا: لَا اسْتِحَالَةَ ذَاتِيَّةٌ، وَلَا خَارِجِيَّةٌ، وَلِأَنَّ تَوَاتُرَ السُّنَّةِ قَاطِعٌ، وَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ ; فَهُوَ كَالْقُرْآنِ.

قَالُوا: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ، وَالسُّنَّةُ لَا تُسَاوِي الْقُرْآنَ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْقُرْآنُ يَنْسَخُ حَدِيثِي، وَحَدِيثِي لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ» ، وَلِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ لَفْظَ الْقُرْآنِ ; فَكَذَا حُكْمُهُ.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْحُكْمِ وَمَصْلَحَتِهِ، وَالسُّنَّةُ تُسَاوِي الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ، وَتَزِيدُ عَلَيْهِ، إِذِ الْمَصْلَحَةُ الثَّابِتَةُ بِالسُّنَّةِ قَدْ تَكُونُ أَعْظَمَ مِنَ الثَّابِتَةِ بِالْقُرْآنِ. أَوْ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ; فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ أَصْلًا. وَالْحَدِيثُ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ، لِكَوْنِهِ أَصْلًا ; فَلَوْ ثَبَتَ لَاشْتُهِرَ، وَلَمَا خُولِفَ. وَلَفْظُ الْقُرْآنِ مُعْجِزٌ ; فَلَا تَقُومُ السُّنَّةُ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ حُكْمِهِ.

ــ

قَوْلُهُ: " أَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ ; فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْقَاضِي مَنَعَهُ، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ".

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي " الرَّوْضَةِ ": قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ إِلَّا قُرْآنٌ مِثْلُهُ يَجِيءُ بَعْدَهُ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ عَقْلًا وَشَرْعًا.

قُلْتُ: احْتِجَاجُ الْقَاضِي بِعُمُومِ نَفْيِ أَحْمَدَ، وَهُوَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ شَرْعًا، لَا عَقْلًا.

قُلْتُ: حَكَى الْآمِدِيُّ الْمَنْعَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَأَكْثَرِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَحُكِيَ الْجَوَازُ عَنْ مَالِكٍ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَأَكْثَرِ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>