الثَّانِيَةُ: «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» يُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ: حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَالْفِعْلِ فِي الْفَاعِلِ فِي الْفِعْلِيَّةِ عِنْدَ قَوْمٍ خِلَافًا لِمُنْكِرِي الْمَفْهُومِ، وَهُوَ أَوْلَى.
الْأَوَّلُونَ: «إِنَّ» لِلْإِثْبَاتِ وَ «مَا» لِلنَّفْيِ ; فَأَفَادَا مُجْتَمِعَيْنِ مَا أَفَادَا مُنْفَرِدَيْنِ، وَهُوَ إِثْبَاتُ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيُ مَا عَدَاهُ. وَلِفَهْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ مِنْ: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» . وَهُوَ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ «مَا» لَهَا أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ ; فَتَخْصِيصُ هَذِهِ بِالنَّافِيَةِ مِنْهَا تَحَكُّمٌ، ثُمَّ إِنَّ «مَا» هَذِهِ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا كَافَّةٌ ; فَلَوْ كَانَتْ نَافِيَةً لَأَفَادَ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ
نَفْيَ طَلَبِ الْمَجْدِ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ. وَلَاتَّحَدَتْ كَيْفِيَّةُ الْمُسْتَدْرَكِ وَالْمُسْتَدْرَكِ مِنْهُ بِلَكِنَّمَا، نَحْوَ: مَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنَّمَا عَمْرٌو قَائِمٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَلِأَنَّ النُّحَاةَ قَالُوا: دَخَلَتْ «مَا» عَلَى «إِنَّ» كَمَا دَخَلَتْ «إِنَّ» عَلَى «مَا» فِي نَحْوِ: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} مُقَاصَّةً. فَالظَّاهِرُ اتِّحَادُهُمَا فِي الْحَرْفِيَّةِ.
سَلَّمْنَا، لَكِنَّ قَوْلَكُمْ: «أَفَادَا مُجْتَمِعَيْنِ مَا أَفَادَا مُنْفَرِدَيْنِ» ، مَنْقُوضٌ بِلَوْلَا، وَفَهْمُ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ لَعَلَّهُ لِدَلِيلٍ خَارِجٍ مِنْ قِيَاسٍ، وَنَحْوِهُ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَهُ مُرْسَلٌ ; فَلَعَلَّ وَهْمًا دَخَلَهُ، وَمَعَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فَلْتَكُنْ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ تَأْكِيدُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَا لِنَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ.
ــ
الصُّورَةُ «الثَّانِيَةُ» مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي أَنْكَرَهَا مُنْكِرُو الْمَفْهُومِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute