للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الْجُمْهُورُ يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ:

فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ، وَنَحْوِهَا - خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ ; لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، تَتَوَفَّرُ الدَّاوَعِي عَلَى نَقْلِهِ ; فَيَشْتَهِرُ عَادَةً ; فَوُرُودُهُ غَيْرَ مُشْتَهِرٍ، دَلِيلُ بُطْلَانِهِ. وَلَنَا: قَبُولُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْوِتْرِ، وَالْقَهْقَهَةِ، وَتَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ، وَخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، إِذْ أَثْبَتُوهُ بِالْآحَادِ، وَدَعْوَاهُمْ تَوَاتُرَهُ وَاشْتِهَارَهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، إِذِ الْعِبْرَةُ بِقَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. ثُمَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ ; فَبِالْخَبَرِ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ أَوْلَى.

وَفِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، كَالْحُدُودِ - خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ ; لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ ; فَيَنْهَضُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْقِيَاسِ وَالشَّهَادَةِ، إِذْ هُمَا مَظْنُونَانِ، وَيُقْبَلَانِ فِي الْحَدِّ.

وَفِيمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، خِلَافًا لِمَالِكٍ.

وَفِيمَا يُخَالِفُ الْأُصُولَ أَوْ مَعْنَاهَا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.

لَنَا: تَصْوِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُعَاذًا فِي تَقْدِيمِهِ السُّنَّةَ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ قَوْلُ الْمَعْصُومِ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ.

قَالُوا: الْقَائِسُ عَلَى يَقِينٍ مِنِ اجْتِهَادِهِ، وَلَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ الْخَبَرِ.

قُلْنَا: وَلَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ إِصَابَتِهِ. ثُمَّ احْتِمَالُ الْخَطَأِ فِي حَقِيقَةِ الِاجْتِهَادِ، لَا فِي حَقِيقَةِ الْخَبَرِ، بَلْ فِي طَرِيقِهِ ; فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ. وَأَيْضًا مُقَدِّمَاتُ الْقِيَاسِ أَكْثَرُ ; فَالْخَطَأُ فِيهَا أَغْلَبُ.

ثُمَّ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ سَفَرًا لَا حَضَرًا، وَبُطْلَانُ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ دُونَ خَارِجِهَا، مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، وَهُوَ آحَادٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ النَّقْلِ، وَقَدْ قَالُوا بِهِ.

ــ

الْمَسْأَلَةُ «الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الْجُمْهُورُ: يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى» ، أَيْ: فِيمَا يَكْثُرُ التَّكْلِيفُ بِهِ «كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>