وَتَفَاصِيلُ التَّرْجِيحِ كَثِيرَةٌ، فَالضَّابِطُ فِيهِ: أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَمْرٌ نَقْلِيٌّ، أَوِ اصْطِلَاحِيٌّ، عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ، أَوْ قَرِينَةٌ عَقْلِيَّةٌ، أَوْ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ، وَأَفَادَ ذَلِكَ زِيَادَةَ ظَنٍّ، رَجَحَ بِهِ.
وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا بَيَانُ الرُّجْحَانِ مِنْ جِهَةِ الْقَرَائِنِ ; وَوَجْهُ الرُّجْحَانِ فِي أَكْثَرِ هَذِهِ التَّرْجِيحَاتِ ظَاهِرٌ، فَلِهَذَا أَهْمَلْنَا ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ــ
قَوْلُهُ: «وَتَفَاصِيلُ التَّرْجِيحِ كَثِيرَةٌ» .
اعْلَمْ أَنَّ التَّرْجِيحَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» هِيَ أَكْثَرُ مِنْ تَرْجِيحَاتِ «الرَّوْضَةِ» نَقَلْتُهَا مِنْ «الْحَاصِلِ» وَ «جَدَلِ ابْنِ الْمَنِّيِّ» ، وَغَيْرِهِمَا، وَمَعَ ذَلِكَ، فَثَمَّ تَرَاجِيحُ كَثِيرَةٌ لَمْ نَذْكُرْهَا ذُكِرَتْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِيِّينَ، وَذَلِكَ، لِأَنَّ مَثَارَاتِ الظُّنُونِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الرُّجْحَانُ وَالتَّرَاجِيحُ كَثِيرَةٌ جِدًا، فَحَصْرُهَا يَبْعُدُ.
وَحَيْثُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ; «فَالضَّابِطُ» ، وَالْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ فِي التَّرْجِيحِ: «أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ» يَعْنِي الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ «أَمْرٌ نَقْلِيٌّ» ، كَآيَةٍ، أَوْ خَبَرٍ، «أَوِ اصْطِلَاحِيٌّ» كَعُرْفٍ، أَوْ عَادَةٍ ; عَامًّا كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ أَوْ خَاصًّا، «أَوْ قَرِينَةٌ عَقْلِيَّةٌ، أَوْ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ، وَأَفَادَ ذَلِكَ زِيَادَةَ ظَنٍّ ; رَجَحَ بِهِ» لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ رُجْحَانَ الدَّلِيلِ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي قُوَّتِهِ، وَظَنُّ إِفَادَتِهِ الْمَدْلُولَ، وَذَلِكَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَدَارِكُهُ.
قَوْلُهُ: «وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا بَيَانُ الرُّجْحَانِ مِنْ جِهَةِ الْقَرَائِنِ» . هَذَا اعْتِذَارٌ عَنْ تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِالْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ التَّرْجِيحِ الْقِيَاسِيِّ، وَهُوَ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ، لِأَنَّا كُنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّرْجِيحَ الْقِيَاسِيَّ: إِمَّا مِنْ جِهَةِ أَصْلِ الْقِيَاسِ، أَوْ عِلَّتِهِ، أَوْ قَرِينَةٍ عَاضِدَةٍ لَهُ، وَذَكَرْنَا الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنَ، وَهْمًا التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ وَالْعِلَّةِ، وَبَقِيَ التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةِ الْقَرِينَةِ لَمْ يُصَرَّحْ بِذِكْرِهِ تَفْصِيلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute