. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ «لِجَوَازِ تَعَلُّقِ» مَدَارِكِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ «بِمَا يَجْهَلُهُ» ، فَإِنَّ الْعُلُومَ وَالْفُنُونَ وَالْمَسَائِلَ يَمُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُبَرْهَنُ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، فَمَنْ جَهِلَ فَنًّا، نَقَصَ عَلَيْهِ مَادَّةُ فَنٍّ آخَرَ. وَلِهَذَا تَزِيدُ مَادَّةُ الْعِلْمِ فِي فَنٍّ بِتَحْصِيلِهِ فَنًّا آخَرَ، فَإِذَا عَرَفَ الْكَلَامَ وَالْمَنْطِقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ، ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ تَصَوُّرِهِ لِلْحَقَائِقِ، وَتَقْرِيرِهِ لِلْأَدِلَّةِ وَتَرْكِيبِهِ لِلْأَقْيِسَةِ، وَإِذَا عَرَفَ الْحِسَابَ وَالْهَنْدَسَةَ، ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ فِي مَهَارَتِهِ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا، وَاسْتِخْرَاجِ الْمَجْهُولَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. وَإِذَا جَازَ تَعَلُّقُ بَعْضِ مَدَارِكِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا يَجْهَلُهُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِيهَا مُطْلَقًا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ.
قَوْلُهُ: «وَأَصْلُهُ الْخِلَافُ فِي تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ» . يَعْنِي أَنَّ أَصْلَ هَذَا النِّزَاعِ هُوَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ مَنْصِبَ الِاجْتِهَادِ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَتَجَزَّأَ بِمَعْنَى: أَنْ يَنَالَ الْعَالِمُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ بَعْضٍ؟ وَقَدْ أَجَازَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَمَسْأَلَةُ النِّزَاعِ وَأَصْلُهَا هَذَا الْمَذْكُورُ وَاحِدٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ.
قَوْلُهُ: «لَنَا» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ، وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ كَانُوا يُسْأَلُونَ عَنْ بَعْضِ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ، فَيَقُولُونَ: لَا نَدْرِي، «حَتَّى قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» ، أَيْ: قَالَ: لَا أَدْرِي «فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً مِنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ» ، يَعْنِي أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي، وَقَدْ تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَلِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute