للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ، اسْتِصْحَابُ كُلِّ حَالٍ أَصْلَهُ، فِيمَا جُهِلَ دَلِيلُهُ سَمْعًا.

ــ

قَوْلُهُ: «وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ» ، إِلَى آخِرِهِ أَيْ: فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْأَفْعَالَ قَبْلَ الشَّرْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَوِ الْحَظْرِ أَوِ الْوَقْفِ «اسْتِصْحَابُ كُلِّ» ، أَيْ: كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَائِلِينَ «حَالَ أَصْلِهِ» قَبْلَ الشَّرْعِ «فِيمَا جُهِلَ دَلِيلُهُ سَمْعًا» بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ.

مِثَالُهُ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي إِبَاحَةِ أَكْلِ الْخَيْلِ وَالضَّبِّ وَالضَّبُعِ وَالْأَرْنَبِ وَالثَّعْلَبِ وَسِنَّوْرِ الْبَرِّ وَالزَّرَافَةِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ وَالْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامِّ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، أَوْ وُجِدَ دَلِيلٌ مُتَعَارِضٌ مُتَكَافِئٌ، رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَصْلِهِ قَبْلَ الشَّرْعِ، فَاسْتَصْحَبَ حَالَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الشَّرْعِ، فَالْمُبِيحُ يَقُولُ: الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

ــ

ثُمَّ هَذَا الْمَوْضِعُ هُوَ مَوْضِعُ الْكَلَامِ فِي تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ، وَالْكَلَامُ فِي تَلْخِيصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، ثُمَّ فِي دَلِيلِهِ بِاخْتِصَارٍ، إِذْ كُنَّا قَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ وَهُوَ كِتَابُ «رَدِّ الْقَوْلِ الْقَبِيحِ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ» فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ:

ذَهَبَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي آخَرِينَ إِلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ لِذَوَاتِهَا مُنْقَسِمَةٌ إِلَى حَسَنَةٍ وَقَبِيحَةٍ، ثُمَّ مِنْهَا مَا يُدْرَكُ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، كَحُسْنِ الْإِيمَانِ، وَقُبْحِ الْكُفْرِ، وَمِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِنَظَرِ الْعَقْلِ كَحُسْنِ الصِّدْقِ الضَّارِّ، وَقُبْحِ الْكَذِبِ النَّافِعِ، إِذْ قَدِ اشْتَمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى جِهَتَيْنِ: حُسْنٍ وَقُبْحٍ، وَمَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ، فَاحْتِيجَ فِي مَعْرِفَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>