للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنْهُمَا إِلَى نَظَرٍ يُرَجِّحُ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَمِنْهَا مَا لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالسَّمْعِ كَحُسْنِ الْعِبَادَاتِ وَاخْتِصَاصِهَا بِالْأَمْكِنَةِ وَالْأَوْقَاتِ، إِذْ تَقْدِيرُ نَصْبِ الزَّكَوَاتِ وَقَدْرُ الْوَاجِبِ فِيهَا، وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ، وَالْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لَهَا، وَإِيجَابُ صَوْمِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَاسْتِحْبَابُ صَوْمِ تِسْعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَتَحْرِيمُ صَوْمِ أَرْبَعَةٍ بَعْدَهَا، وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ إِلَّا خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ، وَفِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ إِلَّا سَبْعَةُ مَوَاضِعَ، مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ، فَيَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى مَوْقِفٍ مِنَ الشَّرْعِ، فَهَذِهِ حِكَايَةُ الْمُحَقِّقِينَ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ.

ثُمَّ اسْتَفَاضَ ذِكْرُ مَذْهَبِهِمْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى اسْتَعْمَلُوا فِيهِ عِبَارَاتٍ مُجْمَلَةً مُوهِمَةً كَقَوْلِهِمْ: الْعَقْلُ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ، أَوِ الْعَقْلُ يُوجِبُ وَيُحَرِّمُ، أَوْ حَاظِرٌ وَمُبِيحٌ، حَتَّى صَارَ بَعْضُهُمْ يَفْهَمُ أَنَّ الْعَقْلَ شَارِعٌ فَوْقَ الشَّرْعِ، وَأَنَّهُ مُلْزِمٌ لَهُ بِالْحُكْمِ بِمُقْتَضَاهُ إِلْزَامَ الْغَرِيمِ غَرِيمَهُ، وَسَبَبُ ذَلِكَ تَلَقِّي بَعْضِهِمْ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ عَنْ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَتَدَبُّرٍ.

وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا حَقَّقَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ قَدْ يُرَادُ بِهِمَا مَا لَاءَمَ الطَّبْعَ وَنَافَرَهُ، كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَاتِّهَامِ الْبَرِيءِ.

وَقَدْ يُرَادُ بِهِمَا صِفَةُ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ، نَحْوَ: الْعِلْمُ حَسَنٌ، وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ.

وَقَدْ يُرَادُ بِهِمَا مَا يُوجِبُ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ الشَّرْعِيَّيْنِ عَاجِلًا، وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ آجِلًا. وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُمَا بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَقْلِيَّانِ أَيْ: يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>