للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِيهِمَا.

أَمَّا الثَّالِثُ، فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا: هُوَ عَقْلِيٌّ أَيْضًا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِهِ بِدُونِ الشَّرْعِ وَقَبْلَهُ.

وَأَهْلُ السُّنَّةِ قَالُوا: هُوَ شَرْعِيٌّ، أَيْ: لَا يُعْلَمُ اسْتِحْقَاقُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَلَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ شَرْعًا عَلَى الْفِعْلِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ.

وَعَلَى هَذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي تَعْرِيفِ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، فَقِيلَ: الْحَسَنُ: مَا لِفَاعِلِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَالْقَبِيحُ: مَا لَيْسَ لِفَاعِلِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ، يَعْنِي عَقْلًا، وَهُوَ تَعْرِيفٌ اعْتِزَالِيٌّ.

وَقِيلَ: الْحَسَنُ: مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَعْظِيمِ فَاعِلِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالْقَبِيحُ يُقَابِلُهُ، وَهَذَا تَعْرِيفٌ سُنِّيٌّ جُمْهُورِيٌّ، وَإِنَّمَا غَلِطُ الْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ غَالِبَ مَا اسْتُحْسِنَ أَوِ اسْتُقْبِحَ فِي الشَّرْعِ هُوَ مُسْتَحْسَنٌ أَوْ مُسْتَقْبَحٌ فِي الْعَقْلِ بِالِاعْتِبَارَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَهُمَا الْمُلَاءَمَةُ وَالْمُنَافَرَةُ وَالنَّقْصُ وَالذَّمُّ.

مِثَالُهُ: أَنَّ إِنْقَاذَ الْغَرِيقِ وَنَحْوَهُ اشْتَمَلَ عَلَى أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: الْمُنَاسَبَةُ الْعَقْلِيَّةُ، فَالْعَقْلُ يَسْتَقِلُّ بِدَرْكِهَا، وَالثَّانِي: تَرَتُّبُ الثَّوَابِ عَلَيْهِ، فَالْعَقْلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِدَرْكِهِ جَزْمًا، بَلْ جَوَازًا، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي جَانِبِ الْقُبْحِ، وَلِلنِّزَاعِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مَآخِذُ أَشَارَ إِلَيْهَا الْأُصُولِيُّونَ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّرْعَ هَلْ هُوَ مُؤَكَّدٌ وَكَاشِفٌ، أَوْ مُنْشِئٌ وَمُبْتَدِئٌ.

فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا: الشَّرْعُ مُؤَكِّدٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ فِيمَا أَدْرَكَهُ مِنْ حُسْنِ الْأَفْعَالِ وَقُبْحِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>