للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْوَاجِبُ، قِيلَ: مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ. وَرُدَّ بِجَوَازِ الْعَفْوِ. وَقِيلَ: مَا تُوُعِّدَ عَلَى تَرْكِهِ بِالْعِقَابِ. وَرُدَّ بِصِدْقِ إِيعَادِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى أَصْلِنَا، لِجَوَازِ تَعْلِيقِ إِيقَاعِ الْوَعِيدِ بِالْمَشِيئَةِ، أَوْ لِأَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ مِنَ الْكَرَمِ شَاهِدًا، فَلَا يَقْبُحُ غَائِبًا. ثُمَّ قَدْ حُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ، جَوَازُ أَنْ يُضْمَرَ فِي الْكَلَامِ مَا يَخْتَلُّ بِهِ مَعْنَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا مِنْهُ. وَالْمُخْتَارُ مَا ذُمَّ شَرْعًا تَارِكُهُ مُطْلَقًا. وَهُوَ مُرَادِفٌ لِلْفَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، الْفَرْضُ: الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَالْوَاجِبُ: الْمَظْنُونُ، إِذِ الْوُجُوبُ لُغَةً: السُّقُوطُ، وَالْفَرْضُ: التَّأْثِيرُ وَهُوَ أَخَصُّ، فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِقُوَّةٍ حُكْمًا، كَمَا اخْتُصَّ لُغَةً. وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ، إِذْ لَا نِزَاعَ فِي انْقِسَامِ الْوَاجِبِ إِلَى ظَنِّيٍ وَقَطْعِيٍ. فَلْيُسَمُّوا هُمُ الْقَطْعِيَّ مَا شَاءُوا. ثُمَّ لِنَتَكَلَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَحْكَامِ.

ــ

قَوْلُهُ: " فَالْوَاجِبُ، قِيلَ: مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ ". لَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ، وَقِسْمَةِ أَنْوَاعِهِ إِلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ، أَخَذَ يُبَيِّنُ تَعْرِيفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ. وَنَحْنُ قَبْلَ ذَلِكَ نُشِيرُ إِلَى حُدُودِهَا الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ طَرِيقِ قِسْمَتِهَا.

فَالْوَاجِبُ: هُوَ مَا اقْتَضَى الشَّرْعُ فِعْلَهُ اقْتِضَاءً جَازِمًا.

وَالْمَنْدُوبُ: هُوَ مَا اقْتَضَى فِعْلُهُ اقْتِضَاءً غَيْرَ جَازِمٍ.

وَالْمَحْظُورُ: مَا اقْتَضَى تَرْكُهُ اقْتِضَاءً جَازِمًا.

وَالْمَكْرُوهُ: مَا اقْتَضَى تَرْكُهُ اقْتِضَاءً غَيْرَ جَازِمٍ.

وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ هِيَ مَحَالُّ الْأَحْكَامِ وَمُتَعَلِّقَاتُهَا، أَمَّا الْأَحْكَامُ نَفْسُهَا فَهِيَ:

الْإِيجَابُ: وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ الْجَازِمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>