للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَغْلُبُ عَلَى ظَنِّنَا اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُكْمِ.

بَيَانُ الثَّانِيَةِ; وَهِيَ أَنَّ مَا أَثَارَ الظَّنَّ مُتَّبَعٌ، بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعُمُومِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَنَحْوِهِمَا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ التَّعَبُّدَ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَهُوَ مُعَلَّلٌ بِالْمَصْلَحَةِ، لَكِنَّ الْمَصْلَحَةَ لَا مَنْصُوصَ عَلَيْهَا، وَلَا ظَاهِرَةَ الْمُنَاسَبَةِ، فَتَعَيَّنَ اشْتِمَالُ أَوْصَافِ الْمَحَلِّ عَلَيْهَا، فَإِذَا شَارَكَ مَحَلَّ الْأَصْلِ مَحَلٌّ آخَرُ فِي تِلْكَ الْأَوْصَافِ، وَجَبَ إِلْحَاقُهُ بِهِ فِي الْحُكْمِ، لِغَلَبَةِ الظَّنِّ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ.

قَالَ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ الْحَوَارِيُّ فِي تَقْرِيرِ هَذَا: إِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كُلِّ حُكْمٍ يُثْبِتُهُ سِرًّا وَحِكْمَةً، فَهَذَا الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو عَنْ مَصْلَحَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ غَيْرُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ، وَفِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ أَوْصَافٌ يُعْرَفُ أَنَّ بَعْضَهَا لَا يَخْلُو عَنِ الْمَصْلَحَةِ قَطْعًا، وَيُوهِمُ اشْتِمَالُ الْبَعْضِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِمَا يُوهِمُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ; كَانَ هَذَا قِيَاسًا شَبَهِيًّا.

مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ: حَرَّمَ الشَّارِعُ الرِّبَا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرَّمَهُ لِكَوْنِهِ مَكِيلًا، أَوْ لِكَوْنِهِ مَطْعُومًا، وَنَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَّمَهُ لِمَصْلَحَةٍ لَا نَعْلَمُ عَيْنَهَا، لَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي ضِمْنِ الطُّعْمِ، لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ الْمَصَالِحِ الْكَثِيرَةِ، لِكَوْنِهَا قِوَامَ الْعَالَمِ الْمُعِينَةَ عَلَى الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الْكَيْلِ، إِذْ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ.

قُلْتُ: هَذَا الْمِثَالُ صَحِيحٌ، لَكِنَّ تَعْلِيلَ التَّحْرِيمِ بِالطُّعْمِ الْمُتَضَمِّنِ لِمَصْلَحَةِ قِوَامِ الْعَالَمِ فَاسِدُ الْوَضْعِ، لِأَنَّ مَا كَانَ قِوَامًا لِلْعَالَمِ هُوَ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>