ثُمَّ هُنَا مَسَائِلُ:
الْأُولَى: وَقَعَ النِّزَاعُ فِي جَوَازِ النَّسْخِ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَفِي وُقُوعِهِ، وَالْكُلُّ ثَابِتٌ.
أَمَّا الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْيَهُودِ ; فَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ مِنْ جَوَازِ دَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْمَصَالِحِ، وُجُودًا وَعَدَمًا، كَغِذَاءِ الْمَرِيضِ، وَأَيْضًا الْوُقُوعُ لَازِمٌ لِلْجَوَازِ، وَقَدْ حُرِّمَ نِكَاحُ الْأَخَوَاتِ بَعْدَ جَوَازِهِ فِي شَرْعِ آدَمَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بَعْدَ جَوَازِهِ فِي شَرْعِ يَعْقُوبَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} ، وَهُوَ حَقِيقَةُ النَّسْخِ.
وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ ; فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} ، {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} ، وَنَسْخُ الِاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، وَخَالَفَ أَبُو مُسْلِمٍ، لِقَوْلِهِ: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} ، وَالنَّسْخُ إِبْطَالٌ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إِذِ الْمُرَادُ لَا يَلْحَقُهُ الْكَذِبُ، ثُمَّ الْبَاطِلُ غَيْرُ الْإِبْطَالِ.
ــ
«ثُمَّ هُنَا مَسَائِلُ» ، أَيْ: لَمَّا فَرَغَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِّ النَّسْخِ، نَذْكُرُ هَهُنَا مَسَائِلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ «الْأُولَى: وَقَعَ النِّزَاعُ» بَيْنَ النَّاسِ فِي «جَوَازِ النَّسْخِ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَفِي وُقُوعِهِ» ، أَيِ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي النَّسْخِ، وَالْخِلَافُ ; إِمَّا فِي جَوَازِهِ، أَوْ فِي وُقُوعِهِ.
وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ ; إِمَّا عَقْلًا، أَوْ شَرْعًا، وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الشَّرَائِعِ عَلَى جَوَازِهِ عَقْلًا، وَوُقُوعِهِ سَمْعًا، إِلَّا الشَّمْعُونِيَّةَ مِنَ الْيَهُودِ ; فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْأَمْرَيْنِ، وَأَمَّا الْعَنَانِيَّةُ مِنْهُمْ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا جَوَازَ النَّسْخِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute