للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

- قَوْلُهُ: «وَحُكْمُهُ التَّوَقُّفُ عَلَى الْبَيَانِ الْخَارِجِيِّ» ، أَيْ: وَحُكْمُ الْمُجْمَلِ أَنْ يُتَوَقَّفَ فِيهِ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُبَيِّنِ لِلْمُرَادِ بِهِ، خَارِجًا عَنْ لَفْظِهِ، كَمَا أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْنَا الْعَمَلَ بِمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَالْمُجْمَلُ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ ; فَلَا نُكَلَّفُ بِالْعَمَلِ بِهِ. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا الْعَمَلُ بِالْمُجْمَلِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ أَيْضًا: هُوَ أَنَّ فِي الْعَمَلِ بِهِ تَعَرُّضًا بِالْخَطَأِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ، وَالتَّعَرُّضُ بِالْخَطَأِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ فِيهِ تَعَرُّضًا بِالْخَطَأِ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ إِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ ; فَإِمَّا أَنْ يُرَادَا جَمِيعًا، أَوْ لَا يُرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَوْ يُرَادَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ; فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، يَسْقُطُ مِنْهَا الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ لَا يُرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْحُكَمَاءِ، أَنْ يَتَكَلَّمُوا كَلَامًا لَا يَقْصِدُونَ بِهِ مَعْنًى، يَبْقَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، لَا دَلِيلَ عَلَى إِرَادَةِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا.

فَإِذَا أَقْدَمْنَا عَلَى الْعَمَلِ قَبْلَ الْبَيَانِ، احْتَمَلَ أَنْ نُوَافِقَ مُرَادَ الشَّرْعِ ; فَنَصِيبُ حُكْمَهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ نُخَالِفَهُ ; فَنُخْطِئُ حُكْمَهُ ; فَتَحَقَّقَ بِذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُجْمَلِ قَبْلَ الْبَيَانِ تَعَرَّضَ بِالْخَطَأِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ.

وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ; فَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ، وَالتَّعَرُّضُ بِالْخَطَأِ فِيهِ يُنَافِي تَعْظِيمَهُ ; فَيَكُونُ ذَلِكَ ضَرْبًا مِنَ الْإِهْمَالِ لَهُ، وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَالِاحْتِفَالِ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>