. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْخَصْمُ وَجْهَانِ آخَرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَشْتَمِلَ عَلَى الْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ الْمَعْنَى الْجَالِبُ لِلْمَصْلَحَةِ، أَوِ النَّافِي لِلْمَفْسَدَةِ، وَالْأَمْرُ الْعَدَمِيُّ لَا يَصِحُّ اشْتِمَالُهُ عَلَى ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنَّ الْعِلَّةَ فَرْعُ التَّمْيِيزِ، أَيْ: لَا يَكُونُ عِلَّةً إِلَّا مَا كَانَ مُمَيَّزًا فِي نَفْسِهِ، وَالْعَدَمُ نَفْيٌ مَحْضٌ لَا تَمْيِيزَ فِيهِ، فَلَا يَكُونُ عِلَّةً.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ مَعْنَى اشْتِمَالِ الْعِلَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ هُوَ نَفْيُ الِاقْتِرَانِ الْوُجُودِيِّ، أَيْ: إِذَا وُجِدَتِ الْعِلَّةُ، وُجِدَتِ الْحِكْمَةُ، وَهَذَا مُمْكِنٌ فِي التَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ، أَوْ أَنَّ الْحِكْمَةَ تُقَارِنُهُ. أَمَّا إِنْ تَخَيَّلَ السَّائِلُ أَنَّ اشْتِمَالَ الْعِلَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ كَاشْتِمَالِ الظَّرْفِ عَلَى الْمَظْرُوفِ حَتَّى يَمْتَنِعَ ذَلِكَ; فَهَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ الْعَدَمَ الَّذِي يَقَعُ التَّعْلِيلُ بِهِ لَابُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَدَمَ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَيَكُونُ مُتَمَيِّزًا بِتَمَيُّزِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ، كَمَا تَقُولُ: عَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ، وَعَدَمُ التَّنْجِيسِ عِلَّةُ التَّطْهِيرِ، وَعَدَمُ الرُّخْصَةِ عِلَّةُ الْتِزَامِ الْعَزِيمَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: «وَتَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ» أَيْ: وَيَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِعِلَّتَيْنِ مَعًا «خِلَافًا لِقَوْمٍ» .
قَالَ الْآمِدِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَلٍ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِعِلَّةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ; هَلْ يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مَعًا؟ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute