للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ بِتَعْلِيقِ حُكْمٍ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِعِلَّتِهِ عَلَى وَصْفٍ بِالِاجْتِهَادِ، نَحْوُ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا فَالنَّبِيذُ حَرَامٌ، وَالرِّبَا فِي الْبُرِّ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلُ جِنْسٍ فَالْأَرُزُّ مِثْلُهُ، وَيُسَمَّى: تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ، وَهُوَ الِاجْتِهَادُ الْقِيَاسِيُّ، وَأَجَازَ أَصْحَابُنَا التَّعَبُّدَ بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَالنَّظَّامِ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَحُمِلَ عَلَى قِيَاسٍ خَالَفَ نَصًّا، وَقِيلَ: هُوَ فِي مَظِنَّةِ الْجَوَازِ، وَلَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ فِيهِ بِإِحَالَةٍ وَلَا إِيجَابٍ، وَهُوَ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ.

ــ

وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ، وَهُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَالتَّخْرِيجُ: هُوَ الِاسْتِخْرَاجُ وَالِاسْتِنْبَاطُ، وَهُوَ إِضَافَةُ حُكْمٍ لَمْ يَتَعَرَّضِ الشَّرْعُ لِعِلَّتِهِ إِلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» بِقَوْلِهِ: «أَوْ بِتَعْلِيقِ حُكْمٍ» ، أَيْ: وَالِاجْتِهَادُ فِي الْعِلَّةِ إِمَّا بِبَيَانِ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ، أَوْ بِإِضَافَةِ الْعِلَّةِ إِلَى بَعْضِ الْأَوْصَافِ، «أَوْ بِتَعْلِيقِ حُكْمٍ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِعِلَّتِهِ عَلَى وَصْفٍ بِالِاجْتِهَادِ، نَحْوُ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا» ؛ لِأَنَّهُ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ لِتَحْرِيِمِهَا، «فَالنَّبِيذُ حَرَامٌ» لِوُجُودِ الْإِسْكَارِ فِيهِ، وَحُرِّمَ «الرِّبَا فِي الْبُرِّ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلُ جِنْسٍ» أَوْ مَطْعُومُ جِنْسٍ، «فَالْأَرُزُّ مِثْلُهُ» لِأَنَّهُ كَذَلِكَ، «وَيُسَمَّى: تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ» ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ اسْتِخْرَاجُ عِلَّةِ الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الْبُرِّ لِكَوْنِهِ قُوتًا، فَتَلْحَقُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>