للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حُجَّةُ الْآخَرِينَ أَنَّ الْجِمَاعَ اخْتُصَّ بِمَا يُنَاسِبُ اخْتِصَاصَهُ بِالْكَفَّارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّفْسَ لَا تَنْزَجِرُ عَنْهُ عِنْدَ هَيَجَانِ شَهْوَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ، فَاحْتِيجَ فِيهِ إِلَى زِيَادَةٍ فِي الْوَازِعِ، وَهِيَ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي ذَلِكَ. فَقَدْ ثَبَتَ بِذَلِكَ مُنَاسَبَةُ خُصُوصِ الْجِمَاعِ لِاخْتِصَاصِهِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَإِلْغَاءُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لَا يَجُوزُ.

قُلْتُ: وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا أَنَّ أَوْصَافَ الْعِلَلِ فِي الْقِيَاسِ الْمَعْقُولِ كَالْأَخْبَارِ فِي النَّصِّ الْمَنْقُولِ. ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ خَبَرَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ ; قُدِّمَ الْخَاصُّ، فَكَذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَنَا وَصْفَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ ; وَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ الْوَصْفُ الْخَاصُّ، وَهُوَ الْجِمَاعُ هَاهُنَا. وأَيْضًا فَإِنَّ اعْتِبَارَ خُصُوصِ الْجِمَاعِ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ؛ إِذِ الْأَصْلُ أَنَّ مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ يَكُونُ بِمَجْمُوعِهِ عِلَّةً، فَإِلْغَاءُ بَعْضِ الْأَوْصَافِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.

وَقَدْ يُعَارَضُ هَذَا بِأَنَّ اعْتِبَارَ خُصُوصِ الْجِمَاعِ تَكْثِيرٌ لِأَوْصَافِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَهِيَ مُتَجَاذَبَةٌ.

قَوْلُهُ: «وَيُسَمَّى: تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ» يَعْنِي هَذَا النَّوْعَ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ» ، أَيْ: أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ اسْتَعْمَلُوا هَذَا النَّوْعَ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ، حَتَّى إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُنْكِرُ الْقِيَاسَ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ فِيهَا، وَسَمَّاهُ اسْتِدْلَالًا، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ عِنْدَهُ فِيهَا تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ وَتَخْرِيِجُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>