. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اعْلَمْ أَنَّ أَوْصَافَ الْعِلَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا اتُّفِقَ عَلَى مُنَاسَبَتِهِ لِلْحُكْمِ كَوِقَاعِ الْمُكَلَّفِ هَاهُنَا.
الثَّانِي: مَا اتُّفِقَ عَلَى طَرْدِيَّتِهِ وَعَدَمِ مُنَاسَبَتهِ كَكَوْنِ الْوَاطِئِ أَعْرَابِيًّا لِزَوْجَةٍ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ.
الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي مُنَاسَبَتِهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الطَّرْدِيِّ وَالْمُنَاسِبِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مُنَاسِبًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، كَكَوْنِ الْفِعْلِ إَفْسَادًا لِلصَّوْمِ، وَهُوَ وَصْفٌ عَامٌّ، أَوْ جِمَاعًا وَهُوَ خَاصٌّ.
وَلِهَذَا وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَخَالَفَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، فَقَالُوا، لَا كَفَّارَةَ إِلَّا بِخُصُوصِ الْجِمَاعِ.
حُجَّةُ الْأَوَّلِينَ أَنَّ إِفْسَادَ الصَّوْمِ جِنَايَةٌ عَلَى الْعِبَادَةِ، فَنَاسَبَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ زَجْرًا وَرَدْعًا، وَالْجِمَاعُ آلَةٌ لِلْإِفْسَادِ وَسَبَبٌ لَهُ فَيَلْحَقُ بِهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، كَمَا أَنَّ مَنَاطَ الْقِصَاصِ ; لَمَّا كَانَ هُوَ إِزْهَاقَ النَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ، وَالسَّيْفُ آلَةٌ لَهُ، لَمْ يَخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ، بَلْ تَعَدَّى إِلَى السِّكِّينِ وَالْخِنْجَرِ وَالرُّمْحِ وَسَائِرِ الْمُحَدَّدَاتِ، وَإِلَى الْمُثْقَلِ كَالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَقَرَّرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِذَا وَجَبَتْ بِالْجِمَاعِ، كَانَ وُجُوبُهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا مَادَّةُ الْجِمَاعِ وَسَبَبُهُ الْمُقَوِّي عَلَيْهِ، وَوَسِيلَتُهُ الْمُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَيْهِ؛ إِذِ الْجَائِعُ لَا يَسْتَطِيعُهُ، وَالشَّبْعَانُ يَنْشَطُ لَهُ، فَكَانَ إِيجَابُ الْكَفَّارَةِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ وَحَسْمِ مَوَادِّ الْفَسَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute