الثَّانِيَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِهِ سَمْعًا، خِلَافًا لِبَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ، لَنَا: وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ، لَكَانَ تَبْلِيغُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْأَحْكَامَ إِلَى الْبِلَادِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْآحَادِ عَبَثًا، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، وَتَبْلِيغُهُ كَذَلِكَ تَوَاتُرِيٌّ. فَإِنْ قِيلَ: اقْتَرَنَ بِهَا مَا أَفَادَ الْعِلْمَ، قُلْنَا: لَمْ يُنْقَلْ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَمُجَرَّدُ الْجَوَازِ لَا يَكْفِي.
الثَّانِي: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، وَتَوَاتُرُهُ عَنْهُمْ تَوَاتُرًا مَعْنَوِيًّا، كَقَبُولِ الصِّدِّيقِ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْجَدَّةِ، وَعُمَرَ خَبَرَ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فِي غُرَّةٍ الْجَنِينِ، وَخَبَرَ الضَّحَّاكِ فِي تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، وَخَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْمَجُوسِ، وَعُثْمَانَ خَبَرَ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ فِي السُّكْنَى، وَعَلِيٍّ خَبَرَ الصِّدِّيقِ فِي غُفْرَانِ الذَّنْبِ بِصَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالِاسْتِغْفَارِ عَقِيبَهُ. وَرُجُوعُ الْكُلِّ إِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ فِي الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَاسْتِدَارَةِ أَهْلِ قُبَاءَ إِلَى الْكَعْبَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ.
وَدَعْوَى اقْتِرَانِ مَا أَفَادَ الْعِلْمُ بِهَا مَرْدُودَةٌ بِمَا سَبَقَ، وَبِقَوْلِ عُمَرَ فِي خَبَرِ الْغُرَّةِ: لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا بِغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ إِلَى مُجَرَّدِ الْخَبَرِ.
قَالُوا: رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَبَرَ ذِي الْيَدَيْنِ، وَالصِّدِّيقُ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ، وَعُمَرُ خَبَرَ أَبِي مُوسَى، وَعَلِيٌّ خَبَرَ مَعْقِلٍ فِي بَرْوَعَ، وَعَائِشَةُ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ.
قُلْنَا: اسْتِظْهَارًا لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ لِجِهَاتِ ضَعْفٍ اخْتَصَّتْ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ، ثُمَّ إِنَّهَا قُبِلَتْ بَعْدَ التَّوَقُّفِ فِيهَا بِإِخْبَارِ اثْنَيْنِ بِهَا، وَلَمْ تَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا آحَادًا.
الثَّالِثُ: وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِ الْمُفْتِي فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ ظَنِّهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ فَلْيَجِبْ قَبُولُ قَوْلِ الرَّاوِي فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ السَّمَاعِ، وَالْجَامِعُ حُصُولُ الظَّنِّ. قَالُوا: قِيَاسٌ ظَنِّيٌّ؛ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلٌ. قُلْنَا: مَحَلُّ النِّزَاعِ.
ــ
الْمَسْأَلَةُ «الثَّانِيَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِهِ» ، أَيْ: بِخَبَرِ الْوَاحِدِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute