. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمَسْأَلَةُ «الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ جَائِزٌ، نَحْوَ قَوْلِهِ» ، يَعْنِي الشَّارِعَ، «فِي يَوْمِ عَرَفَةَ: لَا تَحُجُّوا بَعْدَ الْأَمْرِ بِهِ» ، أَيْ: يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا: حُجُّوا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهُ: لَا تَحُجُّوا.
«وَخَالَفَ الْمُعْتَزِلَةُ» ; فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُتَرْجِمُهَا بَعْضُهُمْ بِجَوَازِ نَسْخِ الْأَمْرِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الِامْتِثَالِ، وَهِيَ عِبَارَةُ «الرَّوْضَةِ» ، وَبَعْضُهُمْ بِجَوَازِ نَسْخِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَهِيَ عِبَارَةُ «التَّنْقِيحِ» ، وَقَالَ: خِلَافًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ: اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ حُكْمِ الْفِعْلِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ ; فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالصَّيْرَفِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَجَوَّزَهُ الْأَشَاعِرَةُ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْفُقَهَاءُ، قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
قُلْتُ: وَأَنَا تَرْجَمْتُ الْمَسْأَلَةَ بِمَا ذَكَرْتُ ; لِأَنَّهُ أَعَمُّ ; فَإِنَّهُ لَوْ نُسِخَ حُكْمُ الْأَمْرِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَالتَّمَكُّنِ مَنْ فِعْلِهِ قَبْلَ فِعْلِهِ، لَاقْتَضَى دَلِيلُ الْخَصْمِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ عَلَى مَا سَنُقَرِّرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: «لَنَا: مُجَرَّدُ الْأَمْرِ مُفِيدٌ» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: لَنَا عَلَى صِحَّةِ نَسْخِ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ مُفِيدٌ فَائِدَةً تَكْلِيفِيَّةً، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ الِامْتِثَالُ، وَمَعَ حُصُولِ الْفَائِدَةِ التَّكْلِيفِيَّةِ لَا يُمْتَنَعُ النَّسْخُ.
أَمَّا أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ مُفِيدٌ ; فَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ، إِذَا عَلِمَ تَوَجُّهَ الْأَمْرِ إِلَيْهِ ; إِمَّا أَنْ يَعْزِمَ عَلَى الِامْتِثَالِ ; فَيَكُونُ مُطِيعًا مُثَابًا، أَوْ عَلَى الْمُخَالَفَةِ ; فَيَكُونُ عَاصِيًا مُعَاقَبًا بِالنِّيَّةِ وَالْعَزْمِ.
وَأَمَّا أَنَّ مَعَ حُصُولِ الْفَائِدَةِ لَا يَمْتَنِعُ النَّسْخُ ; فَبِالْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ صُوَرِ النَّسْخِ، وَلِأَنَّ الْخَصْمَ إِنَّمَا مَنَعَ النَّسْخَ قَبْلَ الِامْتِثَالِ، لِكَوْنِهِ عَبَثًا عِنْدَهُ، وَمَعَ حُصُولِ الْفَائِدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute