. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنْهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ، كَالْمُسْتَفَادِ مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَمِنَ الْخَاصِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَامِّ، فَالتَّرْجِيحُ فِعْلُ الْمُرَجِّحِ، وَالرُّجْحَانُ صِفَةُ الدَّلِيلِ. وَيَظْهَرُ لَكَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ التَّصْرِيفِ اللَّفْظِيِّ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: رَجَّحْتُ الدَّلِيلَ تَرْجِيحًا، فَأَنَا مُرَجِّحٌ، وَالدَّلِيلُ مُرَجَّحٌ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - وَتَقُولُ: رَجَحَ الدَّلِيلُ رُجْحَانًا فَهُوَ رَاجِحٌ. أَلَا تَرَى أَنَّكَ أَسْنَدْتَ التَّرْجِيحَ إِلَى نَفْسِكَ إِسْنَادَ الْفِعْلِ إِلَى الْفَاعِلِ، وَأَسْنَدْتَ الرُّجْحَانَ إِلَى الدَّلِيلِ ; كَذَلِكَ كَانَ التَّرْجِيحُ وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ، وَالرُّجْحَانُ وَصْفَ الدَّلِيلِ. فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ التَّصْرِيفِيَّةُ مُفِيدَةٌ فِي مَعْرِفَةِ رُسُومِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ. وَلَمَّا أَهْمَلَهَا أَوْ سَهَا عَنْهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ دِلَالَةِ اللَّفْظِ وَالدِّلَالَةِ بِاللَّفْظِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ دِلَالَةَ اللَّفْظِ صِفَةٌ لَهُ وَهِيَ كَوْنُهُ حَيْثُ يُفِيدُ مُرَادَ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ، أَوْ إِفَادَتُهُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ، كَأَنْ يَقُولَ: عَجِبْتُ مِنْ دِلَالَةِ اللَّفْظِ، وَمِنْ: إِنْ دَلَّ اللَّفْظُ، فَإِذَا فَسَّرْتَهَا بِأَنْ وَالْفِعْلِ اللَّذَيْنِ يَنْحَلُّ إِلَيْهِمَا الْمَصْدَرُ، كَانَ الْفِعْلُ مُسْنَدًا إِلَى اللَّفْظِ إِسْنَادَ الْفَاعِلِيَّةِ، وَالدِّلَالَةُ بِاللَّفْظِ صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وَفِعْلِهِ، وَهِيَ إِفَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ اللَّفْظِ مَا أَرَادَ مِنْهُ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: عَجِبْتُ مِنْ دِلَالَةِ فُلَانٍ بِلَفْظِهِ، وَمِنْ أَنْ دَلَّ فُلَانٌ بِلَفْظِهِ عَلَى كَذَا، فَيُسْنَدُ ذَلِكَ إِلَى فُلَانٍ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ لَا إِلَى اللَّفْظِ، فَافْهَمْ هَذَا.
قَوْلُهُ: «وَالرُّجْحَانُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَعْيَانِ الْجَوْهَرِيَّةِ وَهُوَ فِي الْمَعَانِي مُسْتَعَارٌ» .
يَعْنِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ الرُّجْحَانِ حَقِيقَةٌ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ، نَحْوَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute