الرَّابِعَةُ: شَرْطُ التَّوَاتُرِ: إِسْنَادُهُ إِلَى عِيَانٍ مَحْسُوسٍ، لِاشْتِرَاكِ الْمَعْقُولَاتِ. وَاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةِ فِي كَمَالِ الْعَدَدِ.
وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ، قِيلَ: اثْنَانِ، وَقِيلَ: أَرْبَعَةٌ، وَقِيلَ: خَمْسَةٌ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ، وَقِيلَ سَبْعُونَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّابِطَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِالْخَبَرِ ; فَيُعْلَمُ إِذَنْ حُصُولِ الْعَدَدِ، وَلَا دَوْرَ، إِذْ حُصُولُ الْعِلْمِ مَعْلُولُ الْإِخْبَارِ وَدَلِيلُهُ، كَالشِّبَعِ وَالرَّيِّ، مَعْلُولُ الْمُشْبِعِ وَالْمُرْوِيِّ وَدَلِيلُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ ابْتِدَاءً الْقَدْرُ الْكَافِي مِنْهُمَا.
وَمَا ذُكِرَ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ تَحَكُّمٌ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. نَعَمْ، لَوْ أَمْكَنَ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ اللَّحْظَةِ الَّتِي يَحْصُلُ لَنَا الْعِلْمُ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ فِيهَا، أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ أَقَلِّ عَدَدٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، إِذِ الظَّنُّ يَتَزَايَدُ بِزِيَادَةِ الْمُخْبِرِينَ تَزَايُدًا خَفِيًّا تَدْرِيجِيًّا، كَتَزَايُدِ النَّبَاتِ، وَعَقْلِ الصَّبِيِّ، وَنُمُوِّ بَدَنِهِ، وَضَوْءِ الصُّبْحِ، وَحَرَكَةِ الْفَيْءِ ; فَلَا يُدْرَكُ.
ــ
الْمَسْأَلَةُ «الرَّابِعَةُ: شَرْطُ التَّوَاتُرِ إِسْنَادُهُ إِلَى عِيَانٍ مَحْسُوسٍ» ، هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي شُرُوطِ التَّوَاتُرِ الَّتِي سَبَقَ الْوَعْدُ بِذِكْرِهَا، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدًا إِلَى مُشَاهَدَةٍ حِسِّيَّةٍ، بِأَنْ يُقَالَ: رَأَيْنَا مَكَّةَ وَبَغْدَادَ، وَرَأَيْنَا مُوسَى وَقَدْ أَلْقَى عَصَاهُ ; فَصَارَتْ حَيَّةً تَسْعَى، وَرَأَيْنَا الْمَسِيحَ وَقَدْ أَحْيَا الْمَوْتَى، وَرَأَيْنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِ انْشَقَّ لَهُ الْقَمَرُ، وَسَمِعْنَاهُ يَتْلُو الْقُرْآنَ، وَيَتَحَدَّى الْعَرَبَ بِهِ فَعَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ.
وَلَا يَصِحُّ التَّوَاتُرُ عَنْ مَعْقُولٍ، لِاشْتِرَاكِ الْمَعْقُولَاتِ فِي إِدْرَاكِ الْعُقَلَاءِ لَهَا ; فَلَيْسَ اعْتِمَادُنَا فِيهَا عَلَى إِخْبَارِ الْمُخْبِرِينَ مُفِيدًا لَنَا مَا لَيْسَ عِنْدَنَا ; لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ النَّظَرِ فِي أَنَّ الْعَالَمَ مَثَلًا مُحْدَثٌ، وَنَحْنُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَنْظُرَ فِيهِ ; فَنَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute