للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجُلَّ فِي صِفَةِ الرِّيحِ الْعَقِيمِ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الْأَحْقَافِ: ٢٥] ; فَإِنَّنَا عَلِمْنَا بِالْحِسِّ أَنَّهَا لَمْ تُدَمِّرِ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ ; فَكَانَ الْحِسُّ مُخَصِّصًا لِذَلِكَ.

قُلْتُ: وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ نَظَرٌ كَمَا سَبَقَ فِي صَدْرِ الْبَابِ.

«الثَّانِي» : مِنَ الْمُخَصِّصَاتِ: الْعَقْلُ، وَبِهِ خُصَّ مَنْ لَا يَفْهَمُ مِنْ عُمُومِ النَّصِّ، نَحْوَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آلِ عِمْرَانِ: ٩٧] ، وَنَحْوَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [الْبَقَرَةِ: ٢١] ، فَإِنَّ هَذَا الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهِ مَنْ لَا يَفْهَمُ مِنَ النَّاسِ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، لَكِنَّهُ خَرَجَ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ ; فَكَانَ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ بِهِ، وَدَلِيلُ الْعَقْلِ الْمُخَصِّصِ لَهُ مَا سَبَقَ فِي شُرُوطِ التَّكْلِيفِ.

قَوْلُهُ: «وَوُجُوبُ تَأَخُّرِ الْمُخَصِّصِ وَصِحَّةِ تَنَاوُلِ الْعَامِّ مَحَلَّ التَّخْصِيصِ مَمْنُوعٌ» هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالَيْنِ مُقَدَّرَيْنِ، أُورِدَا عَلَى كَوْنِ الْعَقْلِ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِّهِ ; فَالْمُخَصِّصُ مُبَيِّنٌ وَالْمُبَيِّنُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْمُبَيِّنِ، وَالْعَقْلُ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى أَدِلَّةِ السَّمْعِ ; فَلَا يَكُونُ مُبَيِّنًا لَهَا ; فَلَا يَكُونُ الْعَقْلُ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ، كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُقَدَّمِ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>