للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لِعِلِّيَّةِ الْكَيْلِ. ثُمَّ لَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: الْعِلَّةُ فِي الْبُرِّ إِمَّا الْكَيْلُ، أَوِ الْقُوتُ، أَوِ الطَّعْمُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ صَالِحٌ لِلْعِلَّةِ، لَكَانَ ذَلِكَ كَلَامًا صَحِيحًا مُوَافِقًا لِمَا قَبْلَهُ، إِذْ كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِ عِلِّيَّةِ الْكَيْلِ. وَإِنَّمَا كَانَ يَتَّجِهُ التَّنَافِي بَيْنَ التَّقْسِيمِ وَالْمُطَالَبَةِ، لَوْ كَانَ مَعْنَى التَّقْسِيمِ إِنْكَارَ نَفْسِ الْوَصْفِ، وَالْمُطَالَبَةُ طَلَبَ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ عِلَّةُ الرِّبَا؟ ثُمَّ قَالَ: لَا أُسَلِّمُ أَنَّ الْبُرَّ مَكِيلٌ، لِأَنَّ إِنْكَارَهُ وُجُودَ الْكَيْلِ بَعْدَ طَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّتِهِ إِنْكَارٌ لَهُ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهِ. أَمَّا إِنْكَارُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ بَعْدَ طَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِذْ طَلَبُ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا إِنْكَارٌ لَهَا، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْإِنْكَارِ الْحَاصِلِ مِنَ التَّقْسِيمِ.

نَعَمْ قَدْ قِيلَ: إِنَّ ذِكْرَ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ التَّقْسِيمِ تَكْرَارٌ لِأَنَّ حَاصِلَهَا مَنْعُ الْعِلِّيَّةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ مِنَ التَّقْسِيمِ كَمَا عُرِفَ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِي كَوْنِ التَّقْسِيمِ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ إِنْكَارًا بَعْدَ اعْتِرَافٍ - كَمَا ذَكَرَ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَأَصَّلَهُ - نَظَرًا قَدْ أَوْضَحْتُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ» - يَعْنِي التَّقْسِيمَ - «حَصْرُ الْمُعْتَرِضِ مَدَارِكَ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً، وَإِلْغَاءُ جَمِيعِهَا» .

الْمَدَارِكُ: جَمْعُ مَدْرَكٍ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِدْرَاكِ الشَّيْءِ.

وَمَعْنَى الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا: أَنَّ التَّقْسِيمَ هُوَ أَنْ يَحْصِرَ الْمُعْتَرِضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>