. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَذَلِكَ فِيمَا إِذَا قَالَ لِغُلَامِهِ: مَنْ رَأَيْتَ ; فَأَهِنْهُ أَوْ فَاضْرِبْهُ ; فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ كَلَامِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى الْغُلَامُ سَيِّدَهُ ; فَأَهَانَهُ أَوْ ضَرَبَهُ، لَكَانَ عَاصِيًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ يَدْخُلُ تَحْتَ خِطَابِهِ فِي صُورَةٍ دُونَ صُورَةٍ ; لَمْ يَصِحَّ قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقًا.
وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ: أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَحْوِهَا إِنَّمَا خَرَجَ عَنْ عُمُومِ كَلَامِهِ لِلْقَرِينَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَأْمُرُ بِإِهَانَةِ نَفْسِهِ، وَالْقَرِينَةُ تُخَصِّصُ، وَبِمِثْلِ هَذَا يُجَابُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ فَرْقِهِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ إِنْ سُلِّمَ لَهُ الْفَرْقُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا لَمْ يَدْخُلِ الْمُتَكَلِّمُ تَحْتَ عُمُومِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِاسْتِحَالَةِ تَحَقُّقِ الْأَمْرِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، لِمَا ذَكَرْتَ مِنْ تَعَذُّرِ اسْتِدْعَائِهِ مِنْهَا، وَاسْتِعْلَائِهِ عَلَيْهَا، لَا لِأَنَّ كَلَامَهُ مُطْلَقًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ، وَصَارَ اسْتِحَالَةُ تَحَقُّقِ الْأَمْرِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ قَرِينَةً مُخَصِّصَةً لِلْأَمْرِ عَنْ تَنَاوُلِهِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ ; فَافْهَمْ هَذَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ: الْخِطَابُ الْوَارِدُ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» وَ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» يَتَنَاوَلُهُ كَسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ.
وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ: إِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ أَمْرٌ بِالتَّبْلِيغِ، نَحْوُ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَإِلَّا تَنَاوَلَهُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ الصِّيغَةِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهِمُوا تَنَاوَلَ الْخِطَابِ الْعَامِّ لَهُ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute