وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ إِنْكَارُ التَّرْجِيحِ فِي الْأَدِلَّةِ كَالْبَيِّنَاتِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إِذِ الْعَمَلُ بِالْأَرْجَحِ مُتَعَيِّنٌ.
وَقَدْ عَمِلَ الصَّحَابَةُ بِالتَّرْجِيحِ، وَالْتِزَامُهُ فِي الْبَيِّنَاتِ مُتَّجِهٌ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ بَابَ الشَّهَادَةِ مَشُوبٌ بِالتَّعَبُّدِ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْدَلَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ لَمْ تُقْبَلْ، وَلَا تُقْبَلْ شَهَادَةُ جَمْعٍ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ كَثُرْنَ عَلَى بَاقَةِ بَقْلٍ بِدُونِ رَجُلٍ، بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ، وَمَوْرِدُ التَّرْجِيحِ إِنَّمَا هُوَ الْأَدِلَّةُ الظَّنِّيَّةُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ، وَالْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ، فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ تَمَسُّكٍ بِدَلِيلٍ، خِلَافًا لِعَبْدِ الْجَبَّارِ، وَلَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ، إِذْ لَا غَايَةَ وَرَاءَ الْيَقِينِ، وَالْأَلْفَاظُ الْمَسْمُوعَةُ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا التَّرْجِيحُ إِذَا جَهِلَ التَّارِيخُ، أَوْ عُلِمَ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَقَابِلَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا فَالثَّانِي نَاسِخٌ إِذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ، لِأَنَّ الشَّارِعَ حَكِيمٌ، وَالتَّنَاقُضُ يُنَافِي الْحِكْمَةَ، فَأَحَدُ الْمُتَنَاقِضِينَ بَاطِلٌ، إِمَّا لِكَذِبِ النَّاقِلِ أَوْ خَطَئِهِ بِوَجْهٍ مَا فِي النَّقْلِيَّاتِ ; أَوْ خَطَأِ النَّاظِرِ فِي النَّظَرِيَّاتِ، أَوْ لِبُطْلَانِ حُكْمِهِ بِالنَّسْخِ، وَالْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ وَالْأَقْيِسَةِ، وَنَحْوِهَا.
ــ
قَوْلُهُ: «وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ إِنْكَارُ التَّرْجِيحِ فِي الْأَدِلَّةِ كَالْبَيِّنَاتِ» ، أَيْ: قَالَ: لَا يُرَجَّحُ بَعْضُ الْأَدِلَّةِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَا يُرَجَّحُ بَعْضُ الْبَيِّنَاتِ.
قَوْلُهُ: «وَلَيْسَ بِشَيْءٍ» . يَعْنِي قَوْلَ الْبَاقِلَّانِيِّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ «الْعَمَلِ بِالْأَرْجَحِ مُتَعَيِّنٌ» عَقْلًا وَشَرْعًا، «وَقَدْ عَمِلَ الصَّحَابَةُ بِالتَّرْجِيحِ» مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى اعْتِبَارِهِ حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -. . الْحَدِيثَ فَهَذَا تَقْدِيمٌ لِلْأَئِمَّةِ فِي الصَّلَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute