. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَوَازِمِ بَيَانِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِقَامَتِهَا إِكْمَالُهَا وَإِتْمَامُهَا، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ حَالَ الْقِتَالِ ; فَكَانَ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الْأَمْنِ مِنْ لَوَازِمِ إِقَامَتِهَا، وَكَذَلِكَ صُلْحُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْكُفَّارِ، عَلَى رَدِّ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا، هُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التَّحْرِيمِ: ٩] ، وَجِهَادُهُمْ مُفَوَّضٌ إِلَى اجْتِهَادِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ. وَقَدْ رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ صُلْحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
قُلْتُ: ثُمَّ يَتَفَرَّعُ لَنَا عَلَى هَذَا تَحْقِيقٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ، هَلْ يُضَافُ ثُبُوتُهُ إِلَى الْبَيَانِ، أَوْ إِلَى الْمُبَيَّنِ؟
فَإِنْ أُضِيفَ إِلَى الْبَيَانِ، اتَّجَهَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ وُقُوعِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ الَّتِي هِيَ بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِالْكِتَابِ ; فَقَدْ نُسِخَتِ السُّنَّةُ بِالْكِتَابِ.
وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى الْمُبَيَّنِ ; فَقَدِ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَنْعِ الْوُقُوعِ ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْقُرْآنِ الْمُجْمَلِ الَّذِي بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِالْقُرْآنِ ; فَمَا نَسَخَ الْقُرْآنَ إِلَّا قُرْآنٌ مِثْلُهُ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ يُضَافُ إِلَى الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ جَمِيعًا، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مَأْخَذُ النِّزَاعِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ.
وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ ; فَجَانِبُ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ مُتَرَجِّحٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْوُقُوعُ ; فَبِنَسْخِ تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ بَعْدَ النَّوْمِ، إِذْ لَا يَتَّجِهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: كَانَ ثَابِتًا بِقُرْآنٍ مُجْمَلٍ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute