للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الظَّاهِرِيِّ، فَيَقُولُ الْخَصْمُ: مَا ذَكَرْتَهُ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، أَيْ: إِنَّكَ اعْتَبَرْتَ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا.

قُلْتُ: هَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، بَلْ إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، لِأَنَّ الظَّاهِرِيَّ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ جِنْسَ الْقِيَاسِ دَلِيلٌ، أَمَّا الْحَنَفِيُّ إِذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا لَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ بِالْقِيَاسِ، فَأَوْرَدَ فَسَادَ الِاعْتِبَارِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَازِعُ فِي كَوْنِ جِنْسِ الْقِيَاسِ دَلِيلًا، إِنَّمَا يُنَازِعُ فِي كَوْنِهِ دَلِيلًا فِي هَذَا الْحُكْمِ الْخَاصِّ، وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ سُؤَالَ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا، كَإِنْكَارِ الظَّاهِرِيِّ وَنَحْوِهِ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِيَاسِ، أَوْ جُزْئِيًّا. ثُمَّ هُوَ إِمَّا عَامٌّ، أَيْ: يَرِدُ فِي عُمُومِ الْأَحْكَامِ، كَمَا إِذَا اسْتَدَلَّ بِالْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَةِ نَصِّ الْكِتَابِ، أَوِ السُّنَّةِ، أَوِ الْإِجْمَاعِ، كَمَا سَبَقَتْ أَمْثِلَتُهُ، أَوْ خَاصًّا، أَيْ: لَا يَرِدُ إِلَّا فِي أَحْكَامٍ خَاصَّةٍ، كَمَا إِذَا اسْتَدَلَّ عَلَى الْحَنَفِيِّ بِالْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْأَسْبَابِ وَالْمُقَدَّرَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا أَضْبَطُ أَقْسَامِ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ.

وَإِذَا تَوَجَّهَ سُؤَالُ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ; انْقَطَعَ مُطْلَقًا، لِتَجَرُّدِ دَعْوَاهُ عَنْ دَلِيلٍ، بِخِلَافِ سُؤَالِ الِاسْتِفْسَارِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ مُطْلُقًا، بَلْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَامِهِ الْخَاصِّ.

وَالْفَرْقُ: أَنَّ النِّزَاعَ هُنَا لَفْظِيٌّ لَا يَقْدَحُ فِي الْحُكْمِ، بِخِلَافِ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ، فَإِنَّهُ قَادِحٌ فِي عُمْدَةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الدَّلِيلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>