للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انْقِرَاضِ عَهْدِ النُّبُوَّةِ يَسْتَقِرُّ الشَّرْعُ ; فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يَبْقَى إِلَّا اتِّبَاعُ مَا انْقَرَضَ عَلَيْهِ عَصْرُ النُّبُوَّةِ.

وَأَمَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ عَهْدِ النُّبُوَّةِ ; فَلِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعِصْمَتِهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا حَكَمَ بِحُكْمٍ ; فَالْأُمَّةُ إِمَّا أَنْ تُوَافِقَ ; فَلَا أَثَرَ لِمُوَافَقَتِهَا ; لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ، أَوْ تُخَالِفَ ; فَلَا اعْتِبَارَ بِمُخَالَفَتِهَا، بَلْ تَكُونُ عَاصِيَةً بِمُخَالَفَتِهِ ; فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا مُؤَثِّرًا إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ الْآمِدِيُّ إِنَّ نَسْخَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ نَفَاهُ الْأَكْثَرُونَ، وَأَثْبَتَهُ الْأَقَلُّونَ. وَاخْتَارَ جَوَازَهُ عَقْلًا، وَامْتِنَاعَهُ شَرْعًا.

قُلْتُ: أَمَّا جَوَازُهُ عَقْلًا فَلِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ.

وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ شَرْعًا ; فَلِأَنَّ نَسْخَهُ إِمَّا بِنَصٍّ، أَوْ إِجْمَاعٍ، أَوْ قِيَاسٍ.

وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ.

وَالثَّانِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ النَّاسِخَ ; إِمَّا لَا عَنْ دَلِيلٍ ; فَيَكُونُ خَطَأً، أَوْ عَنْ دَلِيلٍ.

فَذَلِكَ الدَّلِيلُ ; إِمَّا نَصٌّ أَوْ قِيَاسٌ، فَإِنْ كَانَ نَصًّا، لَزِمَ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ عَلَى خِلَافِهِ ; فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا ; فَلَابُدَّ وَأَنْ يَسْتَنِدَ الْقِيَاسُ إِلَى نَصٍّ ; فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ أَيْضًا، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ كَوْنُ نَاسِخِ الْإِجْمَاعِ قِيَاسًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: «وَلِأَنَّ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ مُتَضَادَّانِ، وَالْإِجْمَاعُ لَا يُضَادُّ النَّصَّ، وَلَا يَنْعَقِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>