للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كَمَا لَا يُقَالُ: لِمَ أَوْجَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الْعَالَمَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي أَوْجَدَهُ فِيهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟

وَكَذَلِكَ مَا تَعَلَّقَ بِتَخْصِيصِ الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ، نَحْوَ: لِمَ خَلَقَ اللَّهُ هَذَا طَوِيلًا وَهَذَا قَصِيرًا، وَكَانَ هَذَا الْجَبَلُ هَاهُنَا وَلَمْ يَكُنْ هَاهُنَا؟ . وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصِفَاتِهِ، وَاعْتِرَاضٌ غَيْرُ جَائِزٍ.

قَوْلُهُ: «وَإِلَّا انْتَقَضَ بِالْأَحْكَامِ الِابْتِدَائِيَّةِ الْخَالِيَةِ عَنْ أَسْبَابٍ» ، أَيْ: لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: لِمَ اخْتَصَّ وُرُودُ هَذَا الْحُكْمِ بِوَقْتِ وُقُوعِ هَذَا السَّبَبِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ؟ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ فِي الْحُكْمِ الْوَارِدِ ابْتِدَاءً لَا عَلَى سَبَبٍ: لِمَ وَرَدَ الْآنَ دُونَ مَا قَبْلَهُ؟ فَكَأَنْ يُقَالُ: لِمَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ سَنَةَ دُونَ مَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، وَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ ; فَكَذَلِكَ السُّؤَالُ عَنِ الْحُكْمِ السَّبَبِيِّ لِمَ اخْتَصَّ بِوَقْتِ سَبَبِهِ لَا يَجُوزُ.

وَأَمَّا عَنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ جَوَابُ سُؤَالٍ فَتَجِبُ مُطَابَقَتُهُ لَهُ ; فَبِأَنْ نَقُولَ: إِنْ عَنَيْتُمْ بِمُطَابَقَةِ الْحُكْمِ سَبَبَهُ أَنْ لَا يَكُونَ أَعَمَّ مِنْهُ وَلَا أَخَصَّ ; فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِالْمُطَابَقَةِ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مُتَنَاوِلًا مَحَلَّ السُّؤَالِ وَالسَّبَبَ ; فَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْجَوَابِ أَعَمَّ مِنْ سَبَبِهِ، إِذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْصِدَ الشَّارِعُ بِالزِّيَادَةِ عَنْ مَحَلِّ السَّبَبِ تَمْهِيدَ الْحُكْمِ وَتَقْرِيرَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا إِذَا قِيلَ: «زَنَى فُلَانٌ أَوْ سَرَقَ فُلَانٌ ; فَقَالَ: مَنْ زَنَى ; فَارْجُمُوهُ، وَمَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ» ، فَإِنَّ فُلَانًا قَدْ دَخَلَ فِي عُمُومِ مَنْ، وَتَنَاوَلَهُ الْجَوَابُ، وَلَمْ يُنَافِ ذَلِكَ تَقْرِيرَ حُكْمِ الْقَطْعِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>