. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَأَنَا ذَكَرْتُ مَعَ ذَلِكَ وُجُوبَ الْعَمَلِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ: اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِقَادِ عُمُومِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَصِّصِ ; فَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ جَزْمًا، وَبِظُهُورِ الْمُخَصِّصِ يَزُولُ ذَلِكَ الْجَزْمُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: يَمْتَنِعُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ إِلَّا بَعْدَ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ الْمُخَصِّصِ، ثُمَّ ضَعَّفَ الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا قَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ ; فَلِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِاعْتِقَادِ عُمُومِهِ جَزْمًا عُمُومَ اللَّفْظِ لُغَةً ; فَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَزُولُ بِظُهُورِ الْمُخَصِّصِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اعْتِقَادَ إِرَادَةِ الْعُمُومِ بِاللَّفْظِ ; فَهُوَ خَطَأٌ ; لِأَنَّ احْتِمَالَ إِرَادَةِ الْخُصُوصِ بِهِ قَائِمٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ ; فَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْعُمُومَاتِ، إِذْ لَا طَرِيقَ إِلَى الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ الْمُخَصِّصِ ; لِأَنَّ مَدْرَكَهُ الْبَحْثُ النَّظَرِيُّ، وَهُوَ إِنَّمَا يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ.
قُلْتُ: أَنَا وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى امْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ مَعَ إِيجَابِ بَعْضِهِمِ اعْتِقَادَ وُجُوبِهِ مُشْكِلٌ جِدًّا، إِذْ لَا يَظْهَرُ لِوُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ فَائِدَةٌ إِلَّا الْعَمَلُ بِهِ فِعْلًا أَوْ كَفًّا ; فَلَوْ قِيلَ لَنَا: قَاتِلُوا الْكُفَّارَ، أَوِ اقْتُلُوهُمْ، وَاعْتَقَدْنَا عُمُومَهُ، وَجَبَ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ حَتَّى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، إِلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُخَصِّصُ لَهُمْ. وَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ، وَاعْتَقَدْنَا عُمُومَهُ، وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَكُفَّ عَنْ كُلِّ مَيْتَةٍ حَتَّى السَّمَكِ وَالْجَرَادِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُخَصِّصُ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ هَكَذَا، لَمْ يَكُنْ لِوُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ فَائِدَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute