للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حَيْثُ صَحَّحُوا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَبَعْضِ النُّحَاةِ، وَاخْتَارَ هُوَ الْوَقْفَ عَلَى عَادَتِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

قُلْتُ: الْقَائِلُ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، إِنْ أَرَادَ صِحَّتَهُ مَجَازًا ; فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ صِحَّتَهُ حَقِيقَةً فَمَمْنُوعٌ، وَالْحَقُّ خِلَافَهُ.

«لَنَا» عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ أَنَّ «الِاسْتِثْنَاءَ إِمَّا إِخْرَاجُ مَا تَنَاوَلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، أَوْ إِخْرَاجُ مَا يَصِحُّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ الْمُسْتَثْنَى، وَأَحَدُ الْجِنْسَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْآخَرَ» فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ.

وَكَذَلِكَ إِنْ عَرَّفْنَا الِاسْتِثْنَاءَ بِأَنَّهُ قَوْلٌ مُتَّصِلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ غَيْرِ الْجِنْسِ أَيْضًا ; لِأَنَّ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْ لَفْظِ الْآخَرِ حَتَّى يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ إِرَادَتِهِ مِنْهُ.

مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْقَوْمِ لَا يَتَنَاوَلِ الْحِمَارَ، وَلَا يَصِحُّ تَنَاوُلُهُ إِيَّاهُ، وَلَا إِرَادَتُهُ مِنْهُ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا حِمَارًا، أَمَّا جَوَازُهُ مَجَازًا ; فَلَا نِزَاعَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: «قَالُوا» أَيِ: الْمُجَوِّزُونَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ احْتَجُّوا عَلَى جَوَازِهِ بِأَنَّهُ قَدْ «وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ كَثِيرًا» ، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَبَيَانُ الْوُقُوعِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مَرْيَمَ: ٦٢] ، وَالسَّلَامُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّغْوِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النِّسَاءِ: ٢٩] ، وَالتِّجَارَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ ; لِأَنَّ الْمَالَ هُوَ الْأَعْيَانُ، وَالتِّجَارَةُ التَّصَرُّفُ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} .)

<<  <  ج: ص:  >  >>