للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَعَمُّ، لِتَنَاوُلِهِ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ، وَهُوَ مَعْلُومٌ أَيْضًا، أَيْ: يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِلْمُ، وَالشَّيْءُ خَاصٌّ بِالْمَوْجُودِ، فَلَيْسَ الْمَعْدُومُ شَيْئًا عَلَى رَأْيِنَا.

وَأُبْطِلُ هَذَا التَّعْرِيفُ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مُرَادِفَةٌ لِلْعِلْمِ، يُقَالُ: عَلِمْتُ الشَّيْءَ وَعَرَفْتُهُ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلِهَذَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الْأَنْفَالِ: ٦٠] ، أَيْ: لَا تَعْرِفُونَهُمْ، وَتَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِمُرَادِفِهِ لَا يَصِحُّ، إِذْ هُوَ تَعْرِيفٌ لَهُ بِنَفْسِهِ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعْرِيفٌ دَوْرِيٌّ، لِأَنَّ لَفْظَ الْمَعْلُومِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعِلْمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ الْعِلْمِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْعِلْمِ، وَهُوَ دَوْرٌ.

وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْعِلْمُ مَا أَوْجَبَ لِمَنْ قَامَ بِهِ كَوْنَهُ عَالِمًا.

وَهُوَ دَوْرِيٌّ أَيْضًا، لِأَنَّ الْعَالِمَ مَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: الْعِلْمُ: مَا أَوْجَبَ لِمَنْ قَامَ بِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْعِلْمُ.

وَحُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْعِلْمُ: هُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: مَعَ سُكُونِ النَّفْسِ إِلَى مُعْتَقَدِهِ.

وَهُوَ بَاطِلٌ، بِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَا يُسَمَّى اعْتِقَادًا، وَبِاعْتِقَادِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ الشَّيْءَ وَيَسْكُنُونَ إِلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ بَاطِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَهْلًا، وَبِأَنَّ الشَّيْءَ يَخُصُّ الْمَوْجُودَ عِنْدَنَا وَالْمَعْدُومَ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدُّ، فَيَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي «الْوَاضِحِ» : الْعِلْمُ وِجْدَانُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ لِلْأُمُورِ بِحَقَائِقِهَا.

وَفِيهِ مِنَ الْخَلَلِ، أَنَّ لَفْظَ «وِجْدَانُ» مُشْتَرِكٌ أَوْ مُتَرَدِّدٌ، غَيْرَ أَنَّ قَرِينَةَ التَّعْرِيفِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِدْرَاكُ، فَيَقْرُبُ الْأَمْرُ.

وَفِيهِ أَنَّ عِلْمَ الْبَارِئِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَخْرُجُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ نَفْسًا نَاطِقَةً، فَلَوْ قَالَ: وِجْدَانُ النَّفْسِ لِلْأُمُورِ بِحَقَائِقِهَا، لَأَمْكَنَ دُخُولُ عِلْمِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>