لَنَا: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هُودٍ: ١] ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [الْقِيَامَةِ: ١٩] ، وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي، وَأُخِّرَ بَيَانُ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّ ابْنَ نُوحٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيَانَ: {ذَوِي الْقُرْبَى} ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ. وَ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} ، وَبَيَّنَ جِبْرِيلُ: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} بِفِعْلِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ، وَلِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانٌ زَمَنِيٌّ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ ; فَكَذَا هَذَا.
قَالُوا: الْخِطَابُ بِمَا لَا يُفْهَمُ عَبَثٌ، وَتَجْهِيلٌ فِي الْحَالِ كَمُخَاطَبَةِ الْعَرَبِيِّ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَعَكْسِهِ، وَإِيجَابِ الصَّلَاةِ بِأَبْجَدْ هَوَّزْ، وَكَإِرَادَةِ الْبَقَرِ مِنْ قَوْلِهِ: «فِي خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ» .
قُلْنَا: بَاطِلٌ بِالْمُتَشَابِهِ لَا تُفْهَمُ حَقِيقَتُهُ، وَلَيْسَ تَجْهِيلًا، وَلَا عَبَثًا، فَإِنْ مَنَعَ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَائِدَتُهُ الِانْقِيَادُ الْإِيمَانِيُّ.
قُلْنَا: وَهَذَا الِانْقِيَادُ التَّكْلِيفِيُّ وَإِيجَابُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَقَطْعُ السَّارِقِ وَنَحْوُهَا يُفِيدُ مَاهِيَّاتِ الْأَحْكَامِ، وَتُفَصَّلُ عِنْدَ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْتُمْ ; فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا.
ــ
«لَنَا» عَلَى جَوَازِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالِاسْتِدْلَالِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هُودٍ: ١] .
الثَّانِي: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [الْقِيَامَةِ: ١٨، ١٩] .
فَرَتَّبَ تَفْصِيلَ الْآيَاتِ عَلَى أَحْكَامِهَا، وَبَيَانَ الْقُرْآنِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِـ «ثُمَّ» وَهِيَ لِلتَّرَاخِي، وَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ. وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا جَوَازُهُ إِلَيْهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute